#اقتباسات
سيرةُ رسول الله ﷺ من أعظم براهين صِدقه:قال أبو محمد ابن حزم الأندلسي رحمه الله:
« إنَّ سِيرةَ محمَّدٍ ﷺ لمن تدبَّرَها تَقتَضِي تَصدِيقَه، وتشهَدُ لهُ بأنَّه رسولُ اللهِ حقًّا، فلو لم تكُن له مُعجِزةٌ غيرَ سِيرتِه ﷺ لكَفَى؛
وذلكَ أنَّه علَيه السَّلامُ نَشَأَ - كما قُلْنا - في بِلاد الجَهلِ؛ لا يَقرأُ ولا يَكتبُ ولا خَرَجَ عن تلكَ البِلادِ قطُّ إلَّا خَرجَتَينِ:
أحدُهما إلى الشامِ وهو صبيٌّ مع عمِّهِ إلى أرضِ الشامِ ورَجَع.
والأخرى أيضًا إلى أوَّل الشام ولم يُطِلْ بها البَقاءَ، ولا فارقَ قومَهُ قطُّ.
ثم أوطأَهُ اللهُ تعالى رِقابَ العَرَبِ كلِّهم، فلم تتغيَّرْ نفسُهُ ولا حالَتْ سِيرتُه، إلى أنْ ماتَ ودِرعُه مَرهونةٌ في شَعيرٍ لقُوتِ أهلِه؛ أَصْواعٍ ليسَت بالكثيرة، ولم يَبِتْ قطُّ في مِلكِهِ دِرهمٌ ولا دِينارٌ، وكان يأكُلُ على الأرضِ ما وَجَدَ، ويَخصِفُ نَعلَهُ بيَدِهِ، ويَرقَعُ ثَوبَهُ، ويُؤثِرُ على نفسِه.
وقُتِلَ رجلٌ من أفاضلِ أصحابِه مِثلُ فَقدِهِ يَهُدُّ عَسكرًا، قُتِلَ بينَ أظهُرِ أعدائِهِ منَ اليهودِ، فلم يتسبَّبْ إلى أَذَى أعدائِه بذلك؛ إذْ لم يُوجِبْ ربُّه تعالى لهُ ذلك، ولا تَوَصَّلَ بذلكَ إلى دِمائِهِم ولا إلى دَمِ أحَدٍ منهم، ولا إلى أموالِهِم، بل وَدَاهُ من عند نفسِهِ بمئةِ ناقةٍ، وهو في تلكَ الحالِ مُحتاجٌ إلى بَعِيرٍ واحدٍ يَتَقَوَّى به، وهذا أمرٌ لا يَسمَحُ به مَلِكٌ من مُلوكِ الأرضِ وأهلِ الدُّنيا أصحابِ بُيوتِ الأموالِ بوَجْهٍ من الوجوهِ، ولا يَقتَضِي هذا أيضًا ظاهرُ السِّيرةِ والسِّياسة.
فَصَحَّ يَقِينًا بلا شَكٍّ أنَّه إنَّما كان متَّبِعًا ما أمَرَهُ به ربُّه عزَّ وجلَّ، كان ذلكَ مُضِرًّا به في دُنياهُ غايةَ الإضرار، أو كانَ غيرَ مُضِرٍّ به. وهذا عَجَبٌ لمَنْ تَدَبَّرَه. …
ولم يُوَرِّثْ وَرَثَتَهُ – ابنتَهُ، ونِساءَهُ، وعمَّه - فَلسًا فما فَوقَه، وكُلُّهُم أحبُّ الناسِ إلَيهِ، وأطْوَعُهُم له.
وهذهِ أُمورٌ لمَن تأمَّلَها كافيةٌ مُغْنِيةٌ في أنَّه إنَّما تصرَّفَ بأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ له، لا بسِياسَةٍ ولا بهَوى.فوضحَ بما ذكَرْنا - وللهِ الحمدُ كثيرًا - أنَّ نبوَّةَ محمَّدٍ ﷺ حقُّ، وأنَّ شَريعَتَهُ التي أتَى بها هيَ التي وَضَحَتْ بَراهِينُها واضْطَرَّتْ دَلائِلُها إلى تَصدِيقِها والقَطعِ على أنَّها الحقُّ الذي لا حقَّ سِواهُ، وأنَّها دِينُ الله تعالى الذي لا دِينَ لهُ في العالَمِ سِواهُ..».
"الفِصَل" لابن حزم (2/ 548-549) تحقيق سمير قدوري.
🍃❄️🍃❄️🍃❄️🍃❄️🍃❄️🍃❄️🍃
رابط القناة /
https://telegram.me/Dralderes