Репост из: تصاميم البكـري الدعوية
🔹️ "تريدُ ترى الله" ؟!
لن أحدِّثك عن رؤية الله تعالى عيانًا في الآخرة، فنحن نؤمن بها على الحقيقة، وهي أعظم نعيم أهل الجنة على الإطلاق.
ولن أحدثك عن رؤية الله تعالى عيانًا في الدنيا، فهي من المُحالات (لن تراني)!
لكنّي سأحدِّثُك عن رؤيته القلبية الممكنة في الدنيا (أن تعبد الله كأنك تراه) وهذه رتبةُ الإحسان الأولى التي لا يبلغها إلا الموفقون المقربون، وهي جنَّتُهم ونعيمُهم قبل جنات النعيم.
إن سألتَ؛ كيف يتأتَّى للعبد ولوجُ هذا المقام العالي، فأصغِ إلى ما أقوله لك بسمع فؤادك الخالي، لأنه من القول النفيس الغالي.
فإذا أمررتَه على ناظريك دون جَنانك لن تبلغ المقصود.
إنَّ طريق الوصول إلى هذا المقام لا يتحصَّل مطلقًا إلا بمعرفتك التامة باسم الله تعالى "الباطن" وتأملك المتواصل في حقيقة معناه.
يُعينُك على ذلك ملازمةُ الدعاء الشريف الذي علَّمه سيدُ الخلق لأصحابه، والذي يتأوَّل فيه أسماءَ الله تعالى الواردة في أول سورة الحديد فيقولُ: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء).
ولو تأملت في هذه الأسماء الحسنى الأربع على نحو ما ورد في الدعاء لكُشِفت لك أعاجيبُ المنح والعطايا الربانية، منها استشعارُك إحاطةَ الله تعالى بجميع مخلوقاته ما بين العرش والفرش، إحاطةً كاملةً، زمانًا ومكانًا، فلا شيءَ من الزمان والمكان يغيب عنه سبحانه ولو كان مثقالَ ذرة.
والذي يعنينا هنا قوله؛ (وأنت الباطن فليس دونك شيء) أي ليس شيءٌ أقربَ إلى العبد من الله سبحانه!!
فخَلَجاتُ نفسك وخواطرُ فكرك مكشوفة أمامه تمامًا لا يخفى عليه منها شيء. (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)، (واعلموا أنَّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)!!
إنَّ الله تعالى هو الجهةُ الوحيدة التي لا تحتاج إلى أن تشرح لها قصدك ونواياك، فلا تقول مثلا: يا رب أنا فعلت كذا بقصد كذا ولم أقصد كذا!!
لماذا ؟!
لأنك تعلم أنَّ النوايا والمقاصد مكشوفة له، لا تخفى عليه.
وكذلك جميع الصفات والانفعالات وأحوال النفوس، وأعمال القلوب وأمراضها، آلامها ولذاتها، أحزانها وأفراحها، فإنه يدركُها جميعَها لأنه هو الذي خلقها فيك، وهو أعلم بحقيقتها ومستوياتها ومقاديرها.
سأقرِّبُ لك الصورة، والقياس هنا قياس الأَولى ..
أتُراه يُعقَل وصفُ طعم التفاح لشخص أكلَ التفاح مئات المرات؟!
أو تراه يُقبل توضيحُ معنى البرد لشخص يعيش في الأسكيمو!
إذا أدركت هذا فمن باب أولى أن لا تشرح طبائعَ وصفات المخلوقات لمن خلقها وأوجدها من عدم.
إنَّ كل ما يمكن ذكرُه من مذاقات الأطعمة ينسحب على مذاقات المشاعر فلا يحتاج العبد إلى أن يصفها لسيده ومولاه، كيف وهو يعلم أنَّ الله خالقها !! (الله خالق كل شيء).
ولمزيد بيان أقول ..
عندما يكون لك ولد تستطيع أن تستشعر ألم فقد الولد عند غيرك ممن أصيب بهذا المصاب، فلا يحتاج أن يشرح لك مقدار الألم الذي يشعر به، ولا تحتاج أنت إلى أن يشرح لك، لأنك حينما تضع نفسك مكانه وتفترض أنَّ من فقد ولده هو أنت، فستكون الدموع هي أصدق تعبير عن استشعارك لمصابه دون أن ينبس بكلمة.
قس على ذلك جميع المدرَكات والمحسوسات مثل اللذة والألم، فأنت لا تقول يا رب إنَّ الألم الذي أتألمه بمقدار كذا وكذا، لأنه يدرك مقدار ما تشعر به، إنه شيء أكبر من مجرد علمه به، وأعتقد أنه لا يوجد كلمة في اللسانيات يمكنها أن تعبر عن هذا المعنى الجليل.
إذا شعرت بهذا الشعور فاعلم أنك آمنت حقًا باسم الله الباطن، وهذا الشعور يؤهلك لمقام المراقبة والارتقاء إلى مرتبة الإحسان الثانية (فإنه يراك).
وحينما يلازمك هذا الشعور فتألفُه وتأنس به، وتستصحبُه عند الدعاء والمناجاة مستحضرا قربه سبحانه إلى هذا الحدِّ، واطلاعه على خلجات نفسك وأحوال قلبك، ليس هذا فحسب بل حتى نبض شعورك الإيماني، وانفعالك الوجداني، من الحب والإجلال له، والاستحياء منه، والفرح به، فتناجيه وأنت مستغرق في هذا الشعور متذوق لحلاوة ثمره، عندها تكون قد وصلت إلى المراد من إيمانك باسم الله الباطن، وتأهلت لمرتبة الإحسان الأولى (كأنك تراه).
إنها رؤية الله من داخلك.
اللهم بلغنا ذلك بفضلك وكرمك.
- د. جمال الباشا
لن أحدِّثك عن رؤية الله تعالى عيانًا في الآخرة، فنحن نؤمن بها على الحقيقة، وهي أعظم نعيم أهل الجنة على الإطلاق.
ولن أحدثك عن رؤية الله تعالى عيانًا في الدنيا، فهي من المُحالات (لن تراني)!
لكنّي سأحدِّثُك عن رؤيته القلبية الممكنة في الدنيا (أن تعبد الله كأنك تراه) وهذه رتبةُ الإحسان الأولى التي لا يبلغها إلا الموفقون المقربون، وهي جنَّتُهم ونعيمُهم قبل جنات النعيم.
إن سألتَ؛ كيف يتأتَّى للعبد ولوجُ هذا المقام العالي، فأصغِ إلى ما أقوله لك بسمع فؤادك الخالي، لأنه من القول النفيس الغالي.
فإذا أمررتَه على ناظريك دون جَنانك لن تبلغ المقصود.
إنَّ طريق الوصول إلى هذا المقام لا يتحصَّل مطلقًا إلا بمعرفتك التامة باسم الله تعالى "الباطن" وتأملك المتواصل في حقيقة معناه.
يُعينُك على ذلك ملازمةُ الدعاء الشريف الذي علَّمه سيدُ الخلق لأصحابه، والذي يتأوَّل فيه أسماءَ الله تعالى الواردة في أول سورة الحديد فيقولُ: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء).
ولو تأملت في هذه الأسماء الحسنى الأربع على نحو ما ورد في الدعاء لكُشِفت لك أعاجيبُ المنح والعطايا الربانية، منها استشعارُك إحاطةَ الله تعالى بجميع مخلوقاته ما بين العرش والفرش، إحاطةً كاملةً، زمانًا ومكانًا، فلا شيءَ من الزمان والمكان يغيب عنه سبحانه ولو كان مثقالَ ذرة.
والذي يعنينا هنا قوله؛ (وأنت الباطن فليس دونك شيء) أي ليس شيءٌ أقربَ إلى العبد من الله سبحانه!!
فخَلَجاتُ نفسك وخواطرُ فكرك مكشوفة أمامه تمامًا لا يخفى عليه منها شيء. (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)، (واعلموا أنَّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)!!
إنَّ الله تعالى هو الجهةُ الوحيدة التي لا تحتاج إلى أن تشرح لها قصدك ونواياك، فلا تقول مثلا: يا رب أنا فعلت كذا بقصد كذا ولم أقصد كذا!!
لماذا ؟!
لأنك تعلم أنَّ النوايا والمقاصد مكشوفة له، لا تخفى عليه.
وكذلك جميع الصفات والانفعالات وأحوال النفوس، وأعمال القلوب وأمراضها، آلامها ولذاتها، أحزانها وأفراحها، فإنه يدركُها جميعَها لأنه هو الذي خلقها فيك، وهو أعلم بحقيقتها ومستوياتها ومقاديرها.
سأقرِّبُ لك الصورة، والقياس هنا قياس الأَولى ..
أتُراه يُعقَل وصفُ طعم التفاح لشخص أكلَ التفاح مئات المرات؟!
أو تراه يُقبل توضيحُ معنى البرد لشخص يعيش في الأسكيمو!
إذا أدركت هذا فمن باب أولى أن لا تشرح طبائعَ وصفات المخلوقات لمن خلقها وأوجدها من عدم.
إنَّ كل ما يمكن ذكرُه من مذاقات الأطعمة ينسحب على مذاقات المشاعر فلا يحتاج العبد إلى أن يصفها لسيده ومولاه، كيف وهو يعلم أنَّ الله خالقها !! (الله خالق كل شيء).
ولمزيد بيان أقول ..
عندما يكون لك ولد تستطيع أن تستشعر ألم فقد الولد عند غيرك ممن أصيب بهذا المصاب، فلا يحتاج أن يشرح لك مقدار الألم الذي يشعر به، ولا تحتاج أنت إلى أن يشرح لك، لأنك حينما تضع نفسك مكانه وتفترض أنَّ من فقد ولده هو أنت، فستكون الدموع هي أصدق تعبير عن استشعارك لمصابه دون أن ينبس بكلمة.
قس على ذلك جميع المدرَكات والمحسوسات مثل اللذة والألم، فأنت لا تقول يا رب إنَّ الألم الذي أتألمه بمقدار كذا وكذا، لأنه يدرك مقدار ما تشعر به، إنه شيء أكبر من مجرد علمه به، وأعتقد أنه لا يوجد كلمة في اللسانيات يمكنها أن تعبر عن هذا المعنى الجليل.
إذا شعرت بهذا الشعور فاعلم أنك آمنت حقًا باسم الله الباطن، وهذا الشعور يؤهلك لمقام المراقبة والارتقاء إلى مرتبة الإحسان الثانية (فإنه يراك).
وحينما يلازمك هذا الشعور فتألفُه وتأنس به، وتستصحبُه عند الدعاء والمناجاة مستحضرا قربه سبحانه إلى هذا الحدِّ، واطلاعه على خلجات نفسك وأحوال قلبك، ليس هذا فحسب بل حتى نبض شعورك الإيماني، وانفعالك الوجداني، من الحب والإجلال له، والاستحياء منه، والفرح به، فتناجيه وأنت مستغرق في هذا الشعور متذوق لحلاوة ثمره، عندها تكون قد وصلت إلى المراد من إيمانك باسم الله الباطن، وتأهلت لمرتبة الإحسان الأولى (كأنك تراه).
إنها رؤية الله من داخلك.
اللهم بلغنا ذلك بفضلك وكرمك.
- د. جمال الباشا