عن الشامة فوق ذال "ذي قار"
.
لو أنَّ اللهَ قلبَني نسراً، وهبطتُ، من أعلى جبلٍ أسكنُ قربَهُ، وأنا أشقُّ الهواء إلى الجنوب، حيثُ ترتوي الروحُ بكلّ ما فيه، وأمرّ، وأنا أسمعُ اللكناتِ واللهجاتِ، ثمّ أمرّ ببغداد لأنعطفَ باتجاه الجنوب، إلى هُناك، إلى التي أكبر من التسميات، هل سأظلُّ صقراً؟
الترابُ أصفرُ، لكنّهُ يهمهمُ، ويالتلك الهمهمة، يالذاك الصوت الذي ينغرزُ في الرملةِ الصفراء، طبقاتٌ متعددة، من كلّ شيء، طبقات لا نهائيّة، طبقات تبدأ ولا تنتهي، حتى حاضرُها طبقات.
وصلتُ، أنا النسرُ المنهك، ووقفتُ على أوّل قوسٍ في التأريخ، كانتِ البشريّة مربَّعة، حادّة، حتى ظهرَ معماريٌّ مجنون، وقال: لأقلبَ الطابوقَ قوساً، وصنعَهُ في معبد (دب لال ماخ)، ومُذ ذاك: تقوّس ظهرُ التأريخ، وانحنى على تلك المدينة اللابشريّة، تلك التي حين تضجرُ تصنعُ الآلهة، وحين تغنّي يصمتُ العالم من أقصى المعابد اليابانيّة، حتى الشاعرين بالبرد في القطب الشماليّ.
النسر مُنهكٌ، لكنّهُ يشمّ رائحةَ البنّ المرّ، من بيت قصب، حطّ النسرُ على مشحوفٍ، يمشي بتؤدة، يظهرُ رأسُ جاموسٌ من الماء، يقولُ له الفتى الأسمر: هوياييييي هممم، فيقدمُ إليه، وبيتُ القصب يرمي للنسر، الذي صارَ شاعراً مُنهكاً، ما تيسّر من سيّاحهِ وطابكَهِ وشانكَهِ وزوريّهِ وخشنيّه، بأعظم ما خبّأهُ الصفّاطة لمحبّي السمك، بأجمل ما خبأهُ أصحابُ المشاحيف من أزرق لا يرتبطُ إلاّ بالسماء، يجفّ ويعلو، لكنّهُ يبقى، منذُ أن فتقَ اللهُ هذه الأرضَ ماءً، ثم رتقها شعراً.
ثم يرتقي، الشاعرُ المنهكُ، تلكَ الزقّورة، ليسمعَ همهمات المعبد، الإله بنسختهِ الطريّة، تلك التي أسكرت طه باقر، وسكرَ معها الشاعرُ كما يجب، حيثُ كلّ شيء تلك السلالم المؤدية إلى المُطلق، المُنتهى، الذي لا يصل إليه أحد، ويصل إلى كلّ أحد.
سُمر الجباه، لا يُشبههم أسمرُ في الجنوب، حادّون مثل نصل، وأرقّ من عباءة أمّ تغطّيكَ ظهراً، يعرفون كلّ شيء عن كلّ شيء دون أي يعرفوا، لأنّ لديهم الأصل: أصل كلّ شيء.
الناصريّة..
عنّت عليّه
الكَلب يهواهه وأنا شطايح بديّه؟!
أمتزجُ بالرمل، بفرقعةِ الملاعقِ باستكانات الشاي، ليطلّ عليك ١٠ آلاف شاعر، كلّ شاعرٍ منهم يكتبُ ألف أبوذية، كلّ أبوذية تحيلكَ نثاراً، يُنهيكَ، عن حبيبةٍ قاسية، وعن وطنٍ لا يرحم.
السلامُ على ذي قار، طِر أيها النسر، طرْ فوقَ مضيف ثامر آل حمّودة، لتسمعَ فاكهة الكلام، واهبط على مقهى إبراهيم طلب وهو يمنحكَ استكان الشاي مع دمعة، اذهب لبيت داخل وناصر، غنّ معهم حتى يتساقطَ ريشُكَ، طرْ واهبط على بيت صباح السهل، أجمل معدومٍ في العالم، ودوزنْ عودَ طالب القره غولي الأخير، قبل أن يموتَ بين أهله، بعد أن قضى عقوداً غريباً في كلّ مكان، ابحث عن دفاتر كاظم جهاد في المراهقة، وعن بكاء السيّد على دندوشة، غنِّ بطور الصبّي، ابكِ كثيراً، وارفعْ رأسكَ أيها النسر، حلّق عالياً، كي تصلَ بعضَ ذي قار.
طر، واهبطْ في الزمان تحت عصا أبو معيشي، لتمسّك نارُ مخبز عقيل علي، وصوفيّات رشدي عبد الصاحب، وطر إلى الأعلى، إلى السماء الخامسة، فنعاوي الموشومات، الحنينات، الكريمات، تتسامى مثل العطر فلا تجدها في الأرض، واهبط، واحفر الأرض، حتى تجدَ رقيماً طينياً يتحدّث عن شاعرٍ منهكٍ، كان نسراً منهكاً، وما رمّ عظمه، واجتمعَ ريشُهُ إلاّ بذي قار.
السلامُ على ذي قار وهي تغنّي، وهي تمزجُ الليلَ بالخمرة، والنهارَ بالحزن، السلام على مواكب الشور، السلام على تشرينها، السلام على حشدِها، السلام على حيادِها، وعلى رأس نصلِها، السلامُ على كلّ شيءٍ فيها كان كثيراً، حتى ليبدو أكثر من أيّ بقعةٍ أخرى.
السلامُ على كلّ بيوتِها، ورجالها ونسائها، أكارم وكريمات، يطعمونكَ الأبوذيات والبكاء والغضب، ويطعمنكَ الحنّية والخبز والسمك، ثمّ يعتذرون عن التقصير.
يا أبناء الآلهة، يا تمام خلقة العالم، يا آخر حَسِنٍ في كلّ شيءٍ حسن، يبدو العالمُ صغيراً بشكلٍ مبالغٍ به أمام ذي قار.
هلاّ صرتِ، مدينةً بشرية، كي نتمكن أن نكتبَ عنكِ مثل البشر؟ يالهذه المدينة، التي ندخلُها صغاراً، ونخرجُ منها كباراً جداً، محمّلين بالقُبَلِ والأحضانِ وما لا يُجازى أبداً.
السلامُ على ذي قار، ما بقيَ سلامٌ وليلٌ ونهار، السلامُ عليها مُنذ أن قال لها الله "كوني" فكانتْ، وكانت البشرية، وحتى تغلقَ باب البشرية قبل يوم القيامة بدقيقتين.
السلامُ عليكِ وأنتِ أكبر من اللغة الصغيرة، تلك التي اخترعتِها حين شعرتِ بالضجر، السلام عليكِ يا ستّ الدنيا، وأمها.
علي وجيه
.
لو أنَّ اللهَ قلبَني نسراً، وهبطتُ، من أعلى جبلٍ أسكنُ قربَهُ، وأنا أشقُّ الهواء إلى الجنوب، حيثُ ترتوي الروحُ بكلّ ما فيه، وأمرّ، وأنا أسمعُ اللكناتِ واللهجاتِ، ثمّ أمرّ ببغداد لأنعطفَ باتجاه الجنوب، إلى هُناك، إلى التي أكبر من التسميات، هل سأظلُّ صقراً؟
الترابُ أصفرُ، لكنّهُ يهمهمُ، ويالتلك الهمهمة، يالذاك الصوت الذي ينغرزُ في الرملةِ الصفراء، طبقاتٌ متعددة، من كلّ شيء، طبقات لا نهائيّة، طبقات تبدأ ولا تنتهي، حتى حاضرُها طبقات.
وصلتُ، أنا النسرُ المنهك، ووقفتُ على أوّل قوسٍ في التأريخ، كانتِ البشريّة مربَّعة، حادّة، حتى ظهرَ معماريٌّ مجنون، وقال: لأقلبَ الطابوقَ قوساً، وصنعَهُ في معبد (دب لال ماخ)، ومُذ ذاك: تقوّس ظهرُ التأريخ، وانحنى على تلك المدينة اللابشريّة، تلك التي حين تضجرُ تصنعُ الآلهة، وحين تغنّي يصمتُ العالم من أقصى المعابد اليابانيّة، حتى الشاعرين بالبرد في القطب الشماليّ.
النسر مُنهكٌ، لكنّهُ يشمّ رائحةَ البنّ المرّ، من بيت قصب، حطّ النسرُ على مشحوفٍ، يمشي بتؤدة، يظهرُ رأسُ جاموسٌ من الماء، يقولُ له الفتى الأسمر: هوياييييي هممم، فيقدمُ إليه، وبيتُ القصب يرمي للنسر، الذي صارَ شاعراً مُنهكاً، ما تيسّر من سيّاحهِ وطابكَهِ وشانكَهِ وزوريّهِ وخشنيّه، بأعظم ما خبّأهُ الصفّاطة لمحبّي السمك، بأجمل ما خبأهُ أصحابُ المشاحيف من أزرق لا يرتبطُ إلاّ بالسماء، يجفّ ويعلو، لكنّهُ يبقى، منذُ أن فتقَ اللهُ هذه الأرضَ ماءً، ثم رتقها شعراً.
ثم يرتقي، الشاعرُ المنهكُ، تلكَ الزقّورة، ليسمعَ همهمات المعبد، الإله بنسختهِ الطريّة، تلك التي أسكرت طه باقر، وسكرَ معها الشاعرُ كما يجب، حيثُ كلّ شيء تلك السلالم المؤدية إلى المُطلق، المُنتهى، الذي لا يصل إليه أحد، ويصل إلى كلّ أحد.
سُمر الجباه، لا يُشبههم أسمرُ في الجنوب، حادّون مثل نصل، وأرقّ من عباءة أمّ تغطّيكَ ظهراً، يعرفون كلّ شيء عن كلّ شيء دون أي يعرفوا، لأنّ لديهم الأصل: أصل كلّ شيء.
الناصريّة..
عنّت عليّه
الكَلب يهواهه وأنا شطايح بديّه؟!
أمتزجُ بالرمل، بفرقعةِ الملاعقِ باستكانات الشاي، ليطلّ عليك ١٠ آلاف شاعر، كلّ شاعرٍ منهم يكتبُ ألف أبوذية، كلّ أبوذية تحيلكَ نثاراً، يُنهيكَ، عن حبيبةٍ قاسية، وعن وطنٍ لا يرحم.
السلامُ على ذي قار، طِر أيها النسر، طرْ فوقَ مضيف ثامر آل حمّودة، لتسمعَ فاكهة الكلام، واهبط على مقهى إبراهيم طلب وهو يمنحكَ استكان الشاي مع دمعة، اذهب لبيت داخل وناصر، غنّ معهم حتى يتساقطَ ريشُكَ، طرْ واهبط على بيت صباح السهل، أجمل معدومٍ في العالم، ودوزنْ عودَ طالب القره غولي الأخير، قبل أن يموتَ بين أهله، بعد أن قضى عقوداً غريباً في كلّ مكان، ابحث عن دفاتر كاظم جهاد في المراهقة، وعن بكاء السيّد على دندوشة، غنِّ بطور الصبّي، ابكِ كثيراً، وارفعْ رأسكَ أيها النسر، حلّق عالياً، كي تصلَ بعضَ ذي قار.
طر، واهبطْ في الزمان تحت عصا أبو معيشي، لتمسّك نارُ مخبز عقيل علي، وصوفيّات رشدي عبد الصاحب، وطر إلى الأعلى، إلى السماء الخامسة، فنعاوي الموشومات، الحنينات، الكريمات، تتسامى مثل العطر فلا تجدها في الأرض، واهبط، واحفر الأرض، حتى تجدَ رقيماً طينياً يتحدّث عن شاعرٍ منهكٍ، كان نسراً منهكاً، وما رمّ عظمه، واجتمعَ ريشُهُ إلاّ بذي قار.
السلامُ على ذي قار وهي تغنّي، وهي تمزجُ الليلَ بالخمرة، والنهارَ بالحزن، السلام على مواكب الشور، السلام على تشرينها، السلام على حشدِها، السلام على حيادِها، وعلى رأس نصلِها، السلامُ على كلّ شيءٍ فيها كان كثيراً، حتى ليبدو أكثر من أيّ بقعةٍ أخرى.
السلامُ على كلّ بيوتِها، ورجالها ونسائها، أكارم وكريمات، يطعمونكَ الأبوذيات والبكاء والغضب، ويطعمنكَ الحنّية والخبز والسمك، ثمّ يعتذرون عن التقصير.
يا أبناء الآلهة، يا تمام خلقة العالم، يا آخر حَسِنٍ في كلّ شيءٍ حسن، يبدو العالمُ صغيراً بشكلٍ مبالغٍ به أمام ذي قار.
هلاّ صرتِ، مدينةً بشرية، كي نتمكن أن نكتبَ عنكِ مثل البشر؟ يالهذه المدينة، التي ندخلُها صغاراً، ونخرجُ منها كباراً جداً، محمّلين بالقُبَلِ والأحضانِ وما لا يُجازى أبداً.
السلامُ على ذي قار، ما بقيَ سلامٌ وليلٌ ونهار، السلامُ عليها مُنذ أن قال لها الله "كوني" فكانتْ، وكانت البشرية، وحتى تغلقَ باب البشرية قبل يوم القيامة بدقيقتين.
السلامُ عليكِ وأنتِ أكبر من اللغة الصغيرة، تلك التي اخترعتِها حين شعرتِ بالضجر، السلام عليكِ يا ستّ الدنيا، وأمها.
علي وجيه