نحن نتعامل مع من رحمته سبقت غضبه
نحن نتعامل مع التواب العفوُّ الغفور الغفَّار الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفًا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفًا، فكلُّ أحدٍ مِن عباده مضطرٌّ إلى عفوه ومغفرته، كما أن الكل مفتقر ومضطرٌّ إلى كرمه ورحمته. قال سبحانه:
﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22].
فهو الغفور الذي يستر الذنبَ على العبد، يفعل ذلك مرة بعد مرة إلى ما لا يحصَى، سِتِّير يحب الستر لعباده المؤمنين، ستر عوراتهم، وستر ذنوبهم، وأمرَهم أن يستروا عوراتهم، وأن لا يُجاهروا بمعاصيهم في الدنيا، ثمَّ هو يسترها عليهم في الآخرة.
وهذا جديرٌ بأن يدفع المسلم إلى الإسراع بالتوبة، ثم الاستبشار بأن الله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، ويمحو أثرها. كما ذكر الله جل شأنه فقال:
﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].
بل إنه يفرح بتوبة العبد، وهذا مِن رحمته بعباده، وعظيم لُطفه بهم فيفرح ويمنح عبده العفو والغفران
لأن الله يحبُّ أن يعفو. وأن يغفر أحبُّ إليه مِن أن يَنتَقم ويُؤاخِذَ فهو الكريم منه الكرم ومن كرمه أن غفر للعاصين والسائلين واحب التوابين والمتطهرين
الله الكريم الرحيم ينادي عباده: "يا عبادي، إنكم تذنبون بالليل والنهار ولا يغفر الذنوب إلا أنا فاستغفروني أغفر لكم"..
ربُّك أيها العبد لا يبالي بعظيمِ ذنبك ما دمت أنك رجعت إليه تائبًا ومنيبا
ربك ينادي وهو الغني عن عباده وأرعِ سمعك إلى هذا النداء الكريم، من رب الأرض والسموات كما في الحديث القدسي: «يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». الله أكبر ما أعظمه من نداء، وما أعظمها من جائزة لمن تاب وندم.
يامسلمون ما أعظم كرم الله! وما أوسع رحمته! فإنه تعالى يغفر الذنب ويقيل العثرة ويتجاوز عن الخطيئة، يدعو العباد بالليل والنهار إلى التوبة والاستغفار، يتودد لهم، ويتقرب إليهم، ويبسط يده، وينشر رحمته وذلك كل ليلة.
فعن أبي موسى الأشعري - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
فاستبشروا خيرا أيها المؤمنون، واستشعروا معي أيها المذنبون، هذا النداء العظيم من الغفور سبحانه ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ
ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ
إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
عباد الله : أحلى الاقوال وأجمل الافعال يوم يقول العبد يارب أذنبت يا رب أخطأت يارب أسأت فيأتي الرد سريعاً من التواب الرحيم ياعبدي غفرت عبدي سامحت عبدي عفوت
يارب
إن الملوك إذا شابت عبيدهم
في رقّهم عتقوهم عتق أبرار
وانت ياسيدي اولى بذي كرم
قد شبنا في الرق فأعتقنا من النار
الخطبـــة.الثانيـــة.ttعباد الله : ها نحن على أبواب شهر كريم، وموسم للطاعات عظيم، تغفر فيه الذنوب والسيئات، وترفع فيه الدرجات، وتكثر فيه الخيرات والبركات، فطوبى لمن استقبله بالتوبة إلى الله العزيز الغفار، وشغل نفسه بمايرضي الله جل وعلا
أيها المسلمون :
لعلنا لا ندرك رمضان هذا، فلنستقبله بالنية الصالحة باستغلاله، في مايحبه الله ويرضاه، فلربما كانت النية خيرًا من العمل، ولعلنا إن أدركناه ألا ندركه مرة أخرى، فقد كان بيننا أناس كانوا يأملون أن يصوموا معنا هذا الشهر فحال الموت بينهم وبين تلك الأمنية.
فعُد إلى الله أيها العبد، تصالح مع الله في شهر أحبه الله وعظمه، ذَكِّر نفسك بأن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.
يَا نَفْسُ تُوبِي فَإِنَّ المَوْتَ قَدْ حَانَا
وَاعْصِي الهَوَى فَالهَوَى مَا زَالَ فَتَّانَا
فِي كُلِّ يَوْمٍ لَنَا مَيْتٌ نُشَيِّعُهُ
نُحْيِي بِمَصْرَعِهِ آثَارَ مَوْتَانَا