تابع / زهد الإمام الطبري وورعه
3⃣
● أما #ورعه - رحمه الله - فشيء ليس بمستغرب على أمثاله ، لكنه عزيز في منواله، وأكثر ما يعتري العلماء مما يبيِّن ورَعَهم عزوفُهم عن تولي القضاء ، وهو ما وقع لشيخنا أبي جعفر الطبري.
وذلك أن الوزير يحيى بن خاقان - في عهد المتوكل وبعده - لما تقدم في وزارته ، بعث لأبي جعفر بمال كثير ، فأبى رحمه الله أن يقبله ، ثم عرض عليه القضاء فامتنع منه ابن جرير ، ولكنَّ أصحابه ومحبِّيه عاتبوه على امتناعه ، وقالوا له : لك في هذا ثواب ، وتُحيي سنةً قد اندرست ، وطمعوا أن يقبل ولاية المظالم ، لكنه - رحمه الله - انتهرهم وقال : قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه ، فاستحيوا من جوابه.
● ومن ورعه : إباؤُه عن أخذ ما دفعته له الجواري لما أدب ابن الوزير وعلمه الكتابة ؛ حيث أساء إليهن عدم أخذه لهداياهن ، فبلغت الإساءة الوزير فقال له : يا أبا جعفر ، سَرَرْتَ أمهات الأولاد في ولدهن فبَرَرْنَك ، فغممتهن بردِّك الهدية ، فأجابه ابن جرير : لا أريد غير ما وافقتني عليه.
كانت هذه القصة وأبو جعفر شابًّا لم يصل الثلاثين من عمره ، والدنيا حينئذٍ زهرة في حال مثله.
● وقد وصفه تلميذه عبد العزيز بن محمد الطبري بكونه شديد التوقِّي والحذر مما ينافي تدينه وورعه ، خصوصًا مما يدخل عليه من زهرة الدنيا ، وأنه كان على قسط عظيم من النزاهة والبعد عن المشتبهات ، واقتصاره الشديد على ما يصله من إرثه بطبرستان ، حتى إنه لما دخل مصر وعَظُم شأنه عند العلماء هناك ، ونزل جوار شيخه الربيع بن سليمان الشافعي بأمره له ، جاءه أصحاب الربيع فقالوا له : تحتاج إلى قصرية ، وزير ، وحمارين ، وسدة (وهي السرير).
فأجابهم ابن جرير : أما القصرية ، فأنا لا ولد لي ، وما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط.
وأما الزير ، فمن الملاهي ، وليس هذا من شأني.
وأما الحماران ، فإن أبي وهب لي بضاعة ، وأنا أستعين بها في طلب العلم ، فإن صرفتها في ثمن الحمارين ، فبأي شيء أطلب العلم؟!
فتبسموا ، فقلت : إلى كم يحتاج هذا؟ فقالوا : إلى درهمين وثلثين ، فأخذوا ذلك مني ، ثم علمت أنها أشياء متفقة.
وجاؤوني بإجَّانة وحب للماء (وهما إناء لغسل الثياب ، وزير) وأربع خشبات قد شدوا وسطها بشريط (وهي السرير) ، وقالوا : الزير للماء ، والقصرية للخبز ، والحماران والسدة تنام عليها من البراغيث.
قال : فنفعني ذلك ، وكنت لما كثرت البراغيث ودخلت داري نزعت ثيابي وعلقتها على حبل قد شددته ، واتزرت وصعدت إلى السدة خوفًا منها.
هذه حال الإمام في داره ، وهي غاية الزهد والتواضع وقلة ذات اليد ، مع عفافه وإبائه عما عند الناس ، ولو كان حقيرًا قليلاً ، فما أدري لو دخلها سارق ما يجد فيها ليخرج إلا بحسرة الندامة ، وربما التوبة والإنابة؟
#دكتور علي بن عبد العزيز الشبل
رابط الموضوع : https://www.alukah.net/culture/0/78899/#ixzz5qgUDytDv
٠٠٠٠٠┈┅•٭📚🌹📚٭•┅┈٠٠٠٠٠
❀ ✍ معًا نتعلم من الحياة ✍ ❀
📲 https://telegram.me/gasas1
3⃣
● أما #ورعه - رحمه الله - فشيء ليس بمستغرب على أمثاله ، لكنه عزيز في منواله، وأكثر ما يعتري العلماء مما يبيِّن ورَعَهم عزوفُهم عن تولي القضاء ، وهو ما وقع لشيخنا أبي جعفر الطبري.
وذلك أن الوزير يحيى بن خاقان - في عهد المتوكل وبعده - لما تقدم في وزارته ، بعث لأبي جعفر بمال كثير ، فأبى رحمه الله أن يقبله ، ثم عرض عليه القضاء فامتنع منه ابن جرير ، ولكنَّ أصحابه ومحبِّيه عاتبوه على امتناعه ، وقالوا له : لك في هذا ثواب ، وتُحيي سنةً قد اندرست ، وطمعوا أن يقبل ولاية المظالم ، لكنه - رحمه الله - انتهرهم وقال : قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه ، فاستحيوا من جوابه.
● ومن ورعه : إباؤُه عن أخذ ما دفعته له الجواري لما أدب ابن الوزير وعلمه الكتابة ؛ حيث أساء إليهن عدم أخذه لهداياهن ، فبلغت الإساءة الوزير فقال له : يا أبا جعفر ، سَرَرْتَ أمهات الأولاد في ولدهن فبَرَرْنَك ، فغممتهن بردِّك الهدية ، فأجابه ابن جرير : لا أريد غير ما وافقتني عليه.
كانت هذه القصة وأبو جعفر شابًّا لم يصل الثلاثين من عمره ، والدنيا حينئذٍ زهرة في حال مثله.
● وقد وصفه تلميذه عبد العزيز بن محمد الطبري بكونه شديد التوقِّي والحذر مما ينافي تدينه وورعه ، خصوصًا مما يدخل عليه من زهرة الدنيا ، وأنه كان على قسط عظيم من النزاهة والبعد عن المشتبهات ، واقتصاره الشديد على ما يصله من إرثه بطبرستان ، حتى إنه لما دخل مصر وعَظُم شأنه عند العلماء هناك ، ونزل جوار شيخه الربيع بن سليمان الشافعي بأمره له ، جاءه أصحاب الربيع فقالوا له : تحتاج إلى قصرية ، وزير ، وحمارين ، وسدة (وهي السرير).
فأجابهم ابن جرير : أما القصرية ، فأنا لا ولد لي ، وما حللت سراويلي على حرام ولا حلال قط.
وأما الزير ، فمن الملاهي ، وليس هذا من شأني.
وأما الحماران ، فإن أبي وهب لي بضاعة ، وأنا أستعين بها في طلب العلم ، فإن صرفتها في ثمن الحمارين ، فبأي شيء أطلب العلم؟!
فتبسموا ، فقلت : إلى كم يحتاج هذا؟ فقالوا : إلى درهمين وثلثين ، فأخذوا ذلك مني ، ثم علمت أنها أشياء متفقة.
وجاؤوني بإجَّانة وحب للماء (وهما إناء لغسل الثياب ، وزير) وأربع خشبات قد شدوا وسطها بشريط (وهي السرير) ، وقالوا : الزير للماء ، والقصرية للخبز ، والحماران والسدة تنام عليها من البراغيث.
قال : فنفعني ذلك ، وكنت لما كثرت البراغيث ودخلت داري نزعت ثيابي وعلقتها على حبل قد شددته ، واتزرت وصعدت إلى السدة خوفًا منها.
هذه حال الإمام في داره ، وهي غاية الزهد والتواضع وقلة ذات اليد ، مع عفافه وإبائه عما عند الناس ، ولو كان حقيرًا قليلاً ، فما أدري لو دخلها سارق ما يجد فيها ليخرج إلا بحسرة الندامة ، وربما التوبة والإنابة؟
#دكتور علي بن عبد العزيز الشبل
رابط الموضوع : https://www.alukah.net/culture/0/78899/#ixzz5qgUDytDv
٠٠٠٠٠┈┅•٭📚🌹📚٭•┅┈٠٠٠٠٠
❀ ✍ معًا نتعلم من الحياة ✍ ❀
📲 https://telegram.me/gasas1