كلَّما عزفتُ عن الكتابة، استفزَّني أمرٌ ما. أقولُ لأصمت، خيرٌ لي ولغيري. أحذف التَّطبيق يومَين فأربع، أحنّ، لا أدري لمَ يُرجعني حنيني. أدخل حسابي، ألم يتغيَّر أحدٌ في هذه الأربع؟ لمَ تزفّ لي ساعاتُ العزلةِ بُشَيراتٍ برؤيا ما سيُدهشني هنا؟ فما ألبث أن أعودَ حتى أخيبَ فأرجع. كثُرَ الابتِذال.
أحبُّ أن أتوجَّه لفئةٍ تشبُهني، أو لنقل بأنَّها خيرٌ منِّي، وأنا أدَّعي التشبُّه. أكلَّما صلَّى أحدكم فريضةً كتب منشورًا في ذلك؟ أو كلَّما رفع أحدكم يدَيه داعيًا الله نبَّأَنا بتفاصيل دعائه؟ وكلَّما فتح أحدكم مصحفًا يقلِّب بين صفحاتِه أطلَعنا على الصُّور واللَّقطات وما غير ذلك؟ ألا تستحون من الله؟ أم تمنِّنون الله على عبادتِه؟ وإن كان المذكورُ كلُّه آنفًا بداعي الدَّعوة والتَّشجيع، فمن متى تتطلَّب الدعوةَ عرضَ العبادات والتَّفاخر بها؟
إنَّه لشعورٌ مستفزٌّ أن يتباكى أحدنا مع الله على صفَحات الفيس، وسجَّادته في زاويةِ الغرفة، أقرب إليه ممَّن يرنو إليهم. وإحساسٌ مقزِّزٌ أن يطول اعتراضُ أحدِنا على قضاء الله بدوامِ الشَّكوى واللَّطم والنُّواح. كان لي صديقٌ يكبرُ في عيني، لصغرِ الدُّنيا في عينِه. أبدًا ينصحنيَ بجميلِ هجرٍ أجد على شُطآنه مَرساةَ نفسي. يندمُ المرءُ على ما يقولُه، ولم أرَ ممسكًا عليه لسانَه نادمًا قطّ، حتى النَّصيحة يُندَم على إعطائها، إن لم تلقَ أذُنًا صاغيةً وقلبًا يسَع استقبالَها دون أن يُحمِّلَها دعاوي التَّنظير والفلسَفة.
جهادُ النَّفس صعب. يؤلمني أنَّنا نفشل في بلوغِه، ويعزِّيني أنَّنا على الأقلِّ سنموت ونحنُ نحاول. الآياتُ الَّتي تُتلى في جُنح اللَّيل، تصلُ للسَّماء السَّابعة، والآياتُ الَّتي تُستَعرَض على الصَّفحات لا تكاد تُجاوز سقفَ الغرفة. الله أكبر؛ بلَغت أقاصي الدُّنيا، وتكادُ لا تسقط في قلبِ منافِق، كالحجارةِ بل أقسى، يسمعها فلا يعتبِر، وتمرُّ على مسمعِ خافقِه مرورَ الغريب.
يكفينا. أنهَكْنا بعضَنا بعضًا. لا بدَّ للمرءِ أن يكون عاقلًا لدرجةٍ ما، يُراعي بها شعورَ غيرِه قبل أن يتصرَّف بتطفُّل، وأمقت التطفُّلات تلك ما تأتي بصبغةٍ دينيَّة. خذوهُ من حيث أتى، وطبِّقوه بمثل ما طبَّقوا، وأخفوا الصَّالحات كما سترَ لكم برحمتِه السَّيِّئات، ولا تُزايِدوا في الثَّبات، كي لا يلقِّنَكم كيف له غِنى عنكم، ودعوا عنكم رِجسَ المواقع، تفنى ويفنى من عليها وما قد كتِب، ويبقى وجهُ الله.