أصعب ما على الابن فعله في ظل سفر والده، وأخيه الكبير: نقل خبر استشهاد خاله إلى أمه وأخواته...
بلغني ليلة أمس، خبر استشهاد خالي خليل، فكتمت ما أجد، ولم أخبر بالأمر أحدا حتى طلعت شمس الصباح، وغرَّد أحياءُ العصافير!
أكتب هذا الكلام، وما تزال أمي حتى اللحظة تحوقل، وتسترجع، وتحمد الله على أقداره...
ما نزلت مني دمعة، ولا طرفت عيني طرفة على خبر استشهاد خالي، فالله هو الذي يكرم نزله، ويتلطف به، خالي يقدم على رب كريم رحيم...
ثم إني شاب، وبأس الشباب شديد، والمٱقي جفت منذ أسابيع...
لكن مشهد بكاء أمي...
مشهد قهر أخواتي...
حالي أنا، وأنا أكتم الأمر عنهم، وأبيت أفكر في طريقة لا تنهار بها أمي عند سماع الخبر...
نعم، بكيت لبكاها، وتألمت لشجاها...
ثم إن خالي هذا، أقرب الثلاثة إلينا، وأعلاهم رتبة لدينا...
ما أنسى أنه ما دخل على مدرستي في يوم من الأيام في صغري، (وكان يعمل في الصيانة)، إلا استقبلني بحلوى يضعها في يدي، و"شيقل" في جيبي!
وكيف ينسى الطفل؟!
لما أكرمني الله، وأنهيت حفظ القرٱن، كان الوالد مسافرا، فحضر في الحفل مكانه، وتفاخر بابن أخته أمام رفاقه وأصحابه، ثم أهداني هدية لا كالهدايا...
لو سئلت، أي صفة تغلب على خالك، لقلت بلا تردد: الكرم!
كراجه كان -وما يزال- مضافة مفتوحة، ومجلسَ سمر للضيوف جميلا، وفي هذه الحرب، ٱوى في شقته أربع عائلات، غير عائلته...
وإكرامه لأمي وخالاتي في كل زياره، وقيامه بحق جدتي المقعدة كل صباح... أمران أرجو من الله أن يدخله الفردوس بهما.
وقد سمعت أمي تقول -بحشرجة في صوتها وتقطع-: "الله اختاره لأنه مَرْضِي الوالدين"
رحمه الله وتقبله، وأسكنه فسيح الجنات...
دمعة أمي غالية، الله يستعملنا في الثأر، الله يستعملنا!