Фильтр публикаций


اللائم!
.
فجأةً، تسقطُ صخرةُ الحبّ على رأسك، لتفلعَه، وعلى قلبكَ، لتحيلَهُ نثارا، وبينما أنتَ ذائبٌ بمَن تحبّ، وكيف يحتلّ رأسكَ، وقلبك، وبدنك، وتفكيرك، منذ أن تفتحَ عينيكَ حتى إغلاقهما، كي تنتظره في الحلم، يظهرُ لك ذاك الكائنُ اللزجُ الذي اسمه: اللائم.
وتحتارُ إن كانتْ صفته مشتقّة من الألم؟ أم من اللؤم؟ أم من اللوم كما هو واضح، وربّما كان لومُهُ "محمولاً على الحسدِ" كما يقول أبو نؤاس، فهو لزج، يريدُ منكَ مساطرَ منطقيةً لتقيس بها غيمة عطر، أو البحث عن دقّة الصادر والوارد في نظامٍ غير منطقيّ اسمه الحب، يقولُ لكَ "يجبُ أن.."، ولا وجوبَ في الحبّ، غير حبّ المحبوب، والاندكاكِ باسمه، والمشي وراء خطواته، والسعي وراء التفاته، وطلب رضاه، والتمسكن بين يديهِ، والسهر على نومه، وحراسة أحلامه.
يصرخُ بهم المتنبي "لا تعذل المشتاقَ في أشواقِهِ حتى يكونَ حشاكَ في أحشائِهِ"، فيا بارد القلب والجسد والذهن، ماذا تعرف عن الحب؟ إنني بأهلتُ كلّ محبّي (مصارع العشّاق) بمجلّديه، فما غلبني إلاّ مَن مات لأجل محبوبه، وما أبقاني حيّاً هو عدم تصوّري بكاء المحبوبة على مسكينها، مخذولِها، مغلوبِها، ذاك الذي يكونُ مسنّاً يقطعُ كلّ حاد، وبين يديها قطناً طبّياً.
"يا لائمي في الهوى العذري كفاك شجار"، ماذا تريد؟ اذهب للائمةٍ أخرى، واعشقها، واتركْ مساكين الجفون الذابلة، والأيدي المرتجفة، والقلوب التي ترتعشُ مثل سعفة، وراء ظلّها.
يخفّفه البغداديّون ليسمّوه "العذول"، وينتعش بالفرات الأوسط ليسمّوه "العريضي"، وهو يظهر مثل جدريّ على خدّ العلاقة، هو و"الشامت"، وربع الذكر، وربع المرأة، كي يحاولا أن ينغصان نهر الحبّ.
هل بحثا عن حبّ ولم يجداه؟ أم كما تغنّي وردة "حتى اللايمين، زيّنا عاشقين، لكن خايفين لايمين تانيين؟"، هُم تنظيم خيطيّ للبؤس، للتأنيب، دعوا القلوبَ تفنى في الحب، دعوا العاشق يتهدّم بالحب، فوالله في زمن الفولاذ والقتل والتوحّش، بوركَ مَن يدمع على محبوبته، ومَن تتركُ كحلها على وسادتها ممزوجاً بدمعها، بوركَ الذي يلوكُ اسم حبيبته مثل قطعة حلوى، ومَن تشبحُ عيناها بانتظارِ رجلها، ولا عزاء لمساكين القساوة، خباث الوجوه والقلوب، الذين يضعون الـ"احذر" أمام شيءٍ كلّ ما فيه خطر، ولذّة، وثمالة، وسحر!
بوركَ الحمقى من العشّاق، ولعن الله العقلاءَ اللائمين.


"الصيحةُ لا تصدرُ عنكَ، لستُ أنتَ الذي يتكلّم. أسلافٌ بأعداد لا تُحصى هم الذين ينطقون عبر فمكَ. أنتَ لا تعبّر عن رغبتكَ الشخصيّة، وإنّما تعبّر من خلال قلبكَ عن رغبات أعداد لا تُحصى.
إنّ موتاك لم يعودوا يقبعون في التراب، وإنما صاروا طيوراً وأشجاراً وهواء، إنّكَ تجلسُ بينهم وتستطعم بلحمهم وتستنشق أنفاسهم، لقد أفكاراً وأحاسيس وها هُم يحدّدون مشيئتكَ وسلوكك.
واجبكَ الأوّل وأنتَ توسّعُ أناك في هذه اللحظة المؤقتة التي تسيرُ فيها على الأرض، هو أن تُفلح في أن تعيش المسيرة الخالدة، أن تحيا المرئيّ واللامرئيّ".

نيكوس كازنتزاكيس
(تصوّف - منقذو الآلهة)
ترجمة: سيّد أحمد علي بلال.




‏ومن نكد الدّنيا الدّنيّةِ أنّها
‏تخُصّ بإدراك المُنى كلَّ ناقصِ
‏وكم ذنَبٍ قد صار رأساً وجبهةٍ
‏تودّ اضطراراً أنها في الأخامِصِ
‏وما سادَ في هذا الزّمان ابنُ حرّةٍ
‏وإنْ سادَ فاعلم أنّه غيرُ خالصِ

‏ابنُ الهبّاريّة


بالنسبة لي، لا أفضّل تربية شيء أليف، اضطراراً جلب أطفالي قططاً للمنزل، وبين القلق وضياع وهروب بعضها ثم عودة إناثها حواملَ، آليتُ على نفسي عدم التعلّق بأيّ منها، لكنني لو اضطررتُ لذلك فسأضعُ حوضاً لأسماك الزينة، كائن حيّ، بلا صوت، بحيّز واحد، بلا ري أكشن على وجهه، بلا ذاكرة، بيومٍ ممل يتنقّل بسنتمترات محددة، وطعامه يُحمل باصبعين، وبالنسبة لنا، نحن الذين نأكل مثلاءه من الأحجام الكبيرة، لن يكون ثمة تأنيب ضمير فيما لو ماتت إحداها، مثلما يحدث مع القطط والكلاب والهامستر والطيور.
ليس كلّ السمك مأكولاً مذموماً، وفي زمن التعلّق، والأذى، لا خيار لي، لو شئتُ، غير سمك الزينة.


‏عن بركات وجه الحبيبة، يقولُ أبو صخر الهذْلي:
‏ووجهٌ لهُ ديباجةٌ قرشيّةٌ
‏بهِ تُدفَعُ البلوى ويُستنزلُ القطْرُ


"شخصٌ آخر"، المعرضُ الساذج.
.
مع احترامي الكبير للسيّدة وجدان الماجد، الرسّامة الأكاديميّة الفذّة، لكنّ معرضها المُقام حالياً على قاعة "ذي كَاليري"، هو درسٌ عالٍ بالسذاجة في المنطقة المتداخلة بين "الرسم - التصوير" و "الفن - المفهوم - الكونسبت".
أعلم أن الست وجدان رسّامة من طرازٍ رفيع، لكن للانتقال من منطقة الرسم - التشخيص، إلى المفهوم الثقافيّ، يحتاجُ المرء إلى جهدٍ أكبر، من لوحاتٍ، وسطح، وشبه.
ما فائدة أن نرسمَ، في ٢٠٢٥، عملاً، يُشبه إلى حدٍّ كبير، جداريات دييغو ريفيرا، أو بورتريهات فريدا كالو لنفسها؟
العمل المفاهيميّ، أولاً، من أكبر الكبائر توجيهه، أن يصدرَ الفولدر وهو يشرحُ كلّ لوحة، ثمّ لنكتشفَ أنّ كلّ عملٍ، هو عملٌ واقعيّ، مُغطّى، بعملٍ واقعيّ آخر، فأين الفكرة؟
أين الفكرة، بشرح كلّ عمل؟
أين الفكرة، بوضع موديلات واقعية، بعملٍ، يُفترض أنه عملٌ ثقافيّ، مفاهيميّ، ينبغي أن نبحث عن أنساقه الثقافيّة؟
طيّب، أين الأداء، بعملٍ هو عبارة عن "مفهوم"، ببورتريهات واقعيّة، ثُمّ توجّه بنصّ شارح، على سطح اللوحة؟
ثمّ ماذا تبقى بـجثّة الضأن أو الجاموس أو الذبيحة، منذ سوتين، إلى أسامة حمدي، كي يُستعاد؟ هل نفدتْ مفردات العالم؟
مع احترامي لكل المحتفين، ومحبّتي واحترامي الشخصيين للست وجدان، الرسّامة الممتازة، لكن هذا المعرض: ساذج. ومن المعيب، على أرضٍ، احتضنت كلّ الأعمال المفاهيميّة، منذ "اللبوة الجريحة"، إلى "الشهيد" وليس انتهاءً بـ"بستان القرية"، لكن على المرء أن يحدّد نفسه: رسّاماً، أم فنّاناً.
الرسّام، يضبطُ النِسَب، الوضع، العجينة، خلطتها، ثم النقطة البيضاء على الرسم.
أما الفن؟ فذاك الذئبُ الذي يتسلّل تحت الجلد، ولا يُسيَطر عليه.
هذا المعرض ساذجٌ، وضعَ الرسمَ موضع الفن، والتصوير والفن بينهما برزخٌ لا يبغيان.
احترامي لكلّ المذكورين أعلاه، لكن لِما يحدث على امرئٍ ما أن يقول: لا. لِما يحدث، أو بالأقل: هوّنوا على الفن، فجسده مُنهك، وذاتُهُ مُتعَبة.
أكرّر: احترامي للصديقة العزيزة الست وجدان الماجد، أقولُ قولي هذا محبّةً واحتراماً، لأنني أنتظرُ صعقةً بالمعرض المقبل.






في اليوم العالميّ للقصة القصيرة، شكراً لكم، قصّاصيّ المفضلين..
ماركيز، نجيب محفوظ، محمد خضير، إحسان عبد القدّوس، عبد الستّار ناصر، نزار عبد الستّار.
اللذّة بتلقّيكم لا يعدلُها شيء، ومن مسرّات الدنيا أنني قرأتُكم من ألفكم إلى يائكم في القصة.




أوّل همسة
.
ليسَ النومُ بالنسبةِ لي إطفاءً تامّاً، هو انتقالةٌ أخرى لعمل الدماغ، من الواقع إلى الكابوس، من التفكير بما هو منطقيّ وملموس، إلى التفكير بما هو حلميّ، مُتخيّل، من الواقعة إلى التعامل مع الذكرى، بطريقةٍ ما، النومُ هو أداءٌ آخر للاستيقاظ، لشيءٍ يستقرّ في الجمجمة، ولا يستكين.
قليلةٌ هي الأشياء التي تنسلّ خفافاً من الواقع إلى الحلم، وليلة أمس، كان الأمير المظلوم هو المُنسرب من واقعي إلى نومي، في "أوّل همسة"، ورغم أنني لا أستطيعُ أن أنام أبداً بوجود صوتٍ أو ضوء، عكس والدي وجدّي (رحمه الله)، اللذين لا ينامان إلاّ وثمّة شيءٌ مسموع بقربهم، لكنني لفرطِ إرهاقي، غفوتُ.
وربّما كانت من محاسن عيد الحبّ، أن تحفّز أول همسة، أحلاماً عن الحبّ، عن امرأة لم تُخلق بعد، يحبّها شخصٌ آخر في حلمي.
أمس، عشتُ قصّة حبّ كاملة في حلمي، يقمّطها فريد بصوته، تداخلَ الأحبابُ في كلّ قصص (مصارع العشّاق) و(ألف ليلة وليلة)، ودواوين المسحوقين حبّاً وهياماً، الشاكين من البعد والصدّ، مُنشدي الوصال. كلّ قبلة وكلّ دمعة، كلّ واشٍ وكلّ حاسدة، كلّ هديّة، كلّ وردة حمراء، كلّ ضحكة تملأ العالم حلوى، وكلّ اختناقة صدر لا يفكّها شيء سوى المحبوب.
دخل فريد وحفّز كلّ ذكرى، شخصية ومقروءة ومسموعة، لتشتعلَ في الحلم ملحمة حبّ كاملة، كنتُ شاهداً عليها ولستُ جزءاً منها، مثل فيلم سينمائيّ، قابلة لأن تُكتبَ روايةً، رغم أنني كتبتُ أغلب ما يمرّ به المحبّون.
استيقظتُ صباحاً، وأنا خَدِرٌ بملحمة الحبّ هذه، الذي كنتُ - أنا وفريد - شاهديْن عليها، لوحدِها..
وكان أحلى همسة
لأحلى وردة
فاكرها لسّه
زيّ النهارده!


بدايةُ كلّ يومٍ جديد هي معجزة من معاجز التكرار، خوارزميّة لا مُتناهية من العنصر نفسه.


صورة المصعد
.
تُغرمُ النساءُ، بصور حمّامات النساء، بكلّ أسرارها، لكنني لا أتذكرُ مرّةً أن رجلاً التقطَ صورةً لمرآة حمّام، لكننا مُغرَمون، بوصفنا كائناتٍ سطحيّة إلى حدّ ما، بصورة: المصعد.
والمصعد، غواية، بين نزولٍ وصعود، ومن المقاربات الغريبة، أنّهُ ومهما يكونُ نازلاً، فهو سيبقى: مصعداً.
هو أشبهُ بشهيق وزفير البناية، يحملُ كائناته بمعدته، ليوصلهم لذاك الطابق أو هذا، والوصول هو المفاجأة، اللعنة، الآن يُمكن لهذا النص أن يكون مكانياً قراءةً لنصّ المصعد، ربّما سأكتبه يوماً ما، أو سيسرقُ فكرته أحد، من الحديث عن دانتي إلى مصاعد ناطحات السحاب، وما بينهما من شذرات متناثرة في المتن الثقافيّ.
لكننا ندخلُ، نحبُّ - نحن الرجال - صورنا في المصعد، فيها القيافة كاملةً، وهي تحرّرنا من سذاجة السيلفي، إلى حدٍ ما، وبذات الوقت، مثلما أننا كائناتٌ نرجسيّة، نحنُ مصابون بالحياء، لديكَ ثوانٍ، لترسّخ صورتكَ في مرآة المصعد، وربّما تتوقّع أن يُفتح الباب على امرأة جميلة، أو طفل مزعج، أو حتى عدوّ، كما حدث معي في أحد مهرجانات الشعر، حين تحوّلت البغضاء حبلاً يرفعُ المصعد في الفندق، لأن عدوّاً صعد معي، وكانت الطوابق الثلاثة أطول من طريق المشي على القدمين للبصرة.
صور المصعد صادقة، تلتقطُ اللحظة العابرة، حتى إن كانت المرآة وسخةً، حتى إن كنتَ غير مُجهِّز لنفسك، لا تحملُ الابتسامة الكاذبة لصورة المعاملات، ولا للسيلفي الذي يُقنع المرء بأنه سعيد واجتماعيّ، ولا حتى الصور الجماعية.
صور المصعد، برزخيّة، بين الكائنات الأرضية، والكائنات التي تصل، بهذه الرحلة السريعة، التي تتركُ أثرها على الروح، وعلى المرآة.
هامش: لا ضير باستعادة نصّ "المصعد" لسامي مهدي.
هامشٌ ثانٍ: لا يوجدُ طابقٌ واحدٌ خالٍ من الخسران.
هامشٌ ثالث: وصلتُ.






صفّق الديكُ وقد زعزعه الفجرُ، وألوى بالصياحِ
‏ومشى النورُ على الحقلِ، وفوق الدربِ يزهو والبطاح
‏آه ما أروع "بغداد" واحلاها، على ضوء الصباح
‏غسلت كفُّ السنا كلَّ الجراحاتِ بها حتّى جراحي
‏الجواهري
‏صباح العافية شباب 🌺


‏..وكنتُ إذا ما اشتقتُ عوّلتُ في البُكا
‏على لجّةٍ إنسانُ عيني غريقُها
‏فلم يبقَ من ذا الدمع إلاّ نشيجُهُ
‏ومن كبد المشتاقِ إلا خفوقُها
‏فيا ليتني أبقى لي الهجرُ عَبرةً
‏فأقضي بها حقّ الهوى وأريقُها

‏ابن الخيّاط


عن العرفان والتصوّف..
ساعة ساحرة مع الحبيب الشيخ د.علي المياحي..
الجمعة المقبلة في #صالون_علي_وجيه.



Показано 20 последних публикаций.