فرَّ ليلي من يدِ الظُلَمِ
وتخطاني ولم أنمِ
كلَّما أوغلت في حُلُمي
خِلتُني أهوي على صنمِ
يستمدّ الوحيَ من ألمي
وَيَبُثُّ الروحَ في قلمي
آه يا أحبولةَ الفكَرِ
كم هفا طيرٌ ولم يطِرِ
خَفَقَتْ مِن حوليَ السُّرجُ
في الرُّبى والسُّوح تختلجُ
ومشى في الظُلمةِ البَلَجُ
وقِطارٌ راح يعتلجُ
بضِرامٍ صدرُه الحرِجُ
فهو في القُضبانِ ينزلجُ
وكأنغامٍ على وتَرٍ
سَعلاتٌ ذُبن في السَّحرِ
مرحبا: يا أيها الأرقُ
فُرِشتْ أُنساً لكَ الحَدَقُ
لكَ من عينيَّ منطلقٌ
إذ عُيونُ الناس تنطبِق
لكَ زادٌ عنديَ القلقُ
واليراعُ النِّضوُ والورقُ
ورؤىً في حانةِ القدَرِ
عُتّقتْ خمراً لمعتصرِ
مرحباً: يا أيها الأرقُ
فحمةُ الديجورِ تحترقُ
والنُّجومُ الزُّهرُ تفترقُ
فيَجرَّ السابحَ الغَرِقُ
شفَّ ثوبٌ للدُّجى خَلَقُ
وخلا من لؤلؤٍ طبَقُ
ومشى صبحٌ على خَدَرِ
كغريبٍ آب من سفر
أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشَّى معي وينتقلُ
أنا عندي وإن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤادِ تشتعلُ
إنما الفكرُ، عارماً، بَطلُ
أبد الآبدينَ يقتتلُ
قائدٌ مُلهمٌ بلا نَفرٍ
حُسرتْ عنه رايةُ الظَّفرِ
مرحباً: يا أيها الأرقُ
كم يدٍ أسديتَ لي كرما
أنت في عيني سنىً ألِقُ
أجتلبه بمَسْمعي نغَما
مرحباً: يا أيها القلقُ
وجدَ الضِلَّيلَ فانسجما
مرحباً يا صفوةَ الزُّمرِ
يا مُطيلاً فُسحةَ العُمُرِ
مرحباً: يا أيها الأرقُ
عاطِني من خمرةِ السَّهرِ
إن هذا العمرَ يُخترقُ
كاختراق الثوبِ بالإبرِ
وهو بالأوهام يُسترقُ
كاستراق الغيم للمطرِ
فأزِرْنيها ولا تَذرِ
كم غدٍ ألوى فلم يزُرِ
مرحباً: يا أيُّها السُّهُدُ
كم وكم أنجزتَ ما تعِدُ
خلِّ حُراساً لمن رقدوا
فلنفسي من نفسها رَصَدُ
مرحباً: يا جمرةً تقِدُ
بين موتى، كلُّهمْ جَمَدُ
مرحبا يا منقذ الفِكر
من نُيوب الخمول والخدرِ
مرحباً: يا أيها الأرقُ
أنا بالطارئاتِ أنتعش
لي فؤادٌ بالأمن يحترقُ
وجفونٌ بالنوم تنخدشُ
أحَسِبُ النفس هَزَّها القلقُ
كنفيس الكُنوز تُنتبَشُ
أكرهُ البدرَ دهرَه نسَقُ
وأُحِبُّ النجومَ ترتعشُ