🍃 لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنَ الْعَامِ الَّذِي مَضَى، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبَ سَنَةٍ خَلَتْ وَذُنُوبَ سَنَةٍ يَسْتَقْبِلُهَا.
فَإِذَا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَصَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَصَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فِإنَّ التَّكْفِيرَ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فِحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- قَدْ غَفَرَ لَهُ الذُّنُوبَ جَمِيعَهَا أَمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا؟
الْجَوَابُ:
فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لَا مَحَالَةَ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغْفَرُ وَتُكَفَّرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنَ الصِّيَامِ وَغَيْرِهِ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي تَقْبَلُ التَّكْفِيرَ كَاللَّمَمِ وَكَالصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ، وَدُونَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ.
وَكَذَلِكَ حُقُوقُ الْعِبَادِ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ مِنَ الظُّلْمِ فِيهَا أَنْ تُرَدَّ إِلَى أَصْحَابِهَا، فَمَهْمَا قَالَ الْمَرْءُ أَنَّهُ تَائِبٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَقَّ إِلَى صَاحِبِهِ؛ مَا صَحَّتْ لَهُ تَوْبَةٌ وَلَا تَصِحُّ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إِلَى صَاحِبِهِ.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عَلَيْهِ أَلَّا يَتَوَرَّطَ فِي الظُّلْمِ وَأَلَّا يَظْلِمَ نَفْسَهُ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ بِتَرْكِ وَاجِبٍ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ خَاصَّةً: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة:36].
وَكَذَلِكَ نَهَى اللهُ عَنِ الظُّلْمِ عَامَّةً، وَأَمْرٌ حَرَّمَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى نَفْسِهِ؛ هَلْ تَظُنُّ أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُبِيحُهُ لِغَيْرِهِ؟
يَقُولُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ الصَّحِيحِ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا»، وَفِي رِوَايَةٍ بِالتَّشْدِيدِ: «فَلَا تَظَّالَمُوا».
فَحَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَ الْعِبَادِ مُحَرَّمًا، فَمَهْمَا تَوَرَّطَ الْعَبْدُ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ يَظْلِمُ فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَلْ أَحَدًا مِنَ الخَلْقِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصَاصِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.
فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي نَدَبَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَى صِيَامِهَا، كَهَذَا الْيَوْمِ الَّذِي يَعْرِضُ لَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ.
هَذَا الْيَوْمُ الْعَظِيمُ يُكَفِّرُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِصِيَامِهِ ذُنُوبَ سَنَةٍ مَضَتْ، هَذَا إِذَا وَقَعَ هَذَا الصِّيَامُ عَلَى النَّحْوِ الْمَرْضِيِّ عِنْدَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَالرَّسُولُ ﷺ أَخْبَرَ إِنَّه: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لهُ مِن صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ»، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
🎙️ خطبة فضل شهر المحرم ويوم عاشوراء
🌹 للشيخ أبي عبدالله محمد بن سعيد رسلان_ حفظه الله
https://t.me/Subkeyat