وقفة عند المعنى العميق في قولِ العقيلةِ وهي طِفلةٌ:
(ما أُطيقُ أن أقولَ اثنين بلسانٍ أجريتُهُ بالواحد):
❂ جاء في كتاب [زينب الكُبرى] للشيخ جعفر النقدي:
أنّ العقيلةَ زينب في طُفولتِها كانت جالسةً في حِجرِ أبيها -المُرتضى-
وهو يُلاطِفُها بالكلام، فقال لها:
يا بُنيّة قُولي واحد، فقالت: واحد، فقال لها: قُولي اثنين، فسكتت
فقال لها: تكلّمي يا قُرّةَ عيني، فقالت:
يا أبتاه، ما أُطيقُ أن أقولَ اثنين بلسانٍ أجريتُهُ بالواحد..فضمّها سيّدُ الأوصياءِ إلى صدرِهِ وقبّلها بين عينيها〰〰〰〰〰〰
[توضيحات]حين قالت العقيلةُ:
"واحد" لم يكن فِكرُها مُتوجّهٌ للواحدِ العدد، وإنّما توجّهت للواحدِ الحقيقي وهو الإلهُ عزّ وجلّ، كما يُبيّنُ ذلك رسولُ اللهِ حين سألهُ رجلٌ يهوديٌّ عن دِلالةِ عناوين الأعداد قائلاً لرسولِ الله:
(فأخبرني ما الواحد؟ وما الإثنان؟ وما الثلاثة؟.. إلى المئة) الحديث طويل،
فقال له رسولُ الله:
(أمّا الواحد: فهو اللهُ الواحدُ القهّار لا شريك له ولا صاحبةٌ ولا ولدٌ له، يُحيي ويُميت، بيدِهِ الخيرُ وهو على كُلِّ شيءٍ قدير)فالعقيلةُ حين ذكرت الواحد، لم تتوجّه للواحدِ العدد وإنّما توجّهت للواحدِ الحقيقيِّ الّذي لا أوّلَ لأوّليّتِهِ والّذي لا ثاني له،
وما لا ثاني له فإنّه لا يدخلُ في بابِ الأعداد كما يقولُ سيّدُ الأوصياء
فالعقيلةُ حين سكتت ولم تقل:
"إثنان" إنّها تتحدّثُ بمنطِقِ أبيها أميرِ المؤمنين،
فحين سأل أعرابيٌّ أميرَ المؤمنين عن معنى قولِنا أنّ اللهَ واحد..قال له أميرُ المؤمنين:
(يا أعرابي: إنّ القولَ في أنّ اللهَ واحدٌ على أربعةِ أقسام:
فوجهان مِنها لا يجوزان على اللهِ عزّ وجلّ، ووجهان يثبُتان فيه،
فأمّا الّلذان لا يجوزان عليه فقولُ القائل: واحدٌ يقصدُ به بابَ الأعداد -يعني أنّ اللهَ هو الواحدُ العدد-
فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثانيَ له لا يدخلُ في باب الأعداد،
أما ترى أنّه كفر مَن قال إنّه ثالثُ ثلاثة،
وقولُ القائلِ هو واحدٌ مِن الناسِ يُريدُ به النوعَ مِن الجنس..فهذا ما لا يجوز، لأنّه تشبيهٌ، وجلَّ ربُّنا وتعالى عن ذلك،
وأمّا الوجهان الّلذان يثبُتان فيه فقولُ القائل: هو واحدٌ ليس له في الأشياءِ شَبَه..كذلك ربُّنا،
وقولُ القائل:
عزّ وجلّ أحديُّ المعنى: يعني به أنّه لا ينقسِمُ في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهم..كذلك ربُّنا عزّ وجلّ -أي أنّ اللهَ تعالى حقيقةٌ واحدة بسيطة وليست مُركّبةً مِن أجزاء حتّى في عالم الوهم-)
[التوحيد]
فالعقيلةُ قصدت بالواحد: اللهَ سُبحانهُ وتعالى، ولذا لم تقل بعدَهُ إثنين، لأنّ اللهَ تعالى لا يدخلُ في بابِ الأعداد، لماذا؟
لأنّ العدديّةَ تقتضي المُماثلَة، والباري عزّ وجلّ لا مِثلَ له
العدديّةُ حينما نأتي فنعُدُّ الناس، أو نعدُّ الأشياءَ مِن حولنا؛ "واحد، اثنان، ثلاثة.." وهكذا
فحتّى لو كانت هذه الأشياءُ الّتي نعُدُّها أشياءَ مُختلفة (كائنات حيّة وجمادات وغير ذلك..) فحينما نعُدّها، فهذا التِعدادُ لها يكونُ مِن لحاظِ أنّها موجودة.. يعني هناك وجهُ مُماثلةٍ بينها في جهةِ الموجوديّة
(أنّ هذه الشجرة موجودة، هذا البحر موجود، هذا الكائنُ موجود وهكذا)
أو المُماثلة في جهة (الكُنه، أو الماهويّة) يعني هذا المخلوقُ ماهيّة، وذاك ماهيّةٌ ونحنُ ماهية، وهكذا..
فالأعدادُ وُضعت للأشياءِ المُتماثلة
(وليس المُراد مِن المُتماثلة أي أنّها مِن جنسٍ واحد ونوعٍ واحدٍ كبني الإنسان مثلاً)
وإنّما مُتماثلةٌ بسببِ وجودِ جهةٍ مُشتركةٍ بينها (جهة الموجوديّة أو جهة ماهيّتها)
فحين نقولُ عن الله أنّه الواحدٌ فليس المُراد مِن الواحد بأنّه الواحدُ العددي، لأنّ الواحد العددي يأتي بعدهُ اثنان..وهذا يعني أنّ الاثنين تُناظِرُ الواحدَ الّذي سبَقَها، فعددُ الاثنين سيكونُ عدداً مُتفرِّعاً عن العددِ الأوّل، وهذا ما لا يُمكنُ أن نتحدّثَ به عن الله،
هذا المعنى نتحدّثُ به عن المخلوقين، فالواحدُ العدديُّ يُمكِنُنا أن نصِفَ المخلوقَ به
أمّا المرادُ مِن الواحد حين نصِفُ الله تعالى بالواحد: يعني هو المُتفرِّدُ بكلِّ أوصافهِ الّتي وصف نفسَهُ بها
فلسنا نحنُ الذي نصِفُهُ تعالى، وإنّما نصِفُهُ بما وصفَهُ المعصوم
فالتوحيد في ثقافةِ العترة هو فِكرةٌ عن الله تعالى نأخُذها مِن الإمامِ المعصوم
فالباري تعالى هو الواحدُ الّذي لا ثاني له، وهو الأوّلُ الّذي لا أوّلَ لأوّليّتِهِ والآخرُ الّذي لا آخريّةَ له
وجوابُ العقيلةِ حين قالت:
(ما أُطيقُ أن أقولَ اثنين بلسانٍ أجريتُهُ بالواحد) فيه إشارةٌ لقولِ أمير المؤمنين:
(ما رأيتُ شيئاً إلّا ورأيتُ اللهَ قبلَهُ وبعدَهُ ومعه وفيه)سلامٌ وصلواتٌ تترى على العالمةِ غيرِ المُعَلَّمةِ والفهِمةِ غيرِ المُفَهَّمة،
عقيلةِ العقائل، المُحمّديّةِ الشمائل، العَلَويّةِ المَقاول، الفاطميّةِ المنازل،
صدّيقةِ آلِ عليٍّ وعالمةِ آلِ الحسن والحسين؛
الحوراء «زينب» ورحمةُ اللهِ وبركاته
➖➖➖➖➖➖*منقول