احتضنه رسول الله ﷺ محبةً فلِمَ لم يحتضنوه تبركاً!
حديث حنين الجذع من الأحاديث المعروفة والتي لها متعلق بخطبة الجمعة، وهو من دلائل النبوة ومن الأحاديث المتواترة.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية»: "وأما حنين الجذع الذي كان يخطب إليه النبي ﷺ، فعُمِل له المنبر، فلما رقي عليه وخطب، حنَّ الجذع إليه حنين العِشار والناس يسمعون صوته بمشهد الخلق يوم الجمعة، ولم يزل يئنُّ ويحنُّ حتى نزل إليه النبي ﷺ فاعتنقه وسكَّنه وخيَّره بين أن يرجع غصنا طريا أو يُغرس في الجنة يأكل منه أولياء الله، فاختار الغرس في الجنة، وسكن عند ذلك؛ فهو حديث مشهور معروف، قد رواه من الصحابة عدد كثير متواتر، وكان بحضور الخلائق. وهذا الذي ذكره من تواتر حديث الجذع هو كما قال".
وعلى شهرته فيه فائدة عقدية لا ينتبه لها كثير من الناس، وهي أنه لم يرد عن أحد من الصحابة أنه تبرك أو تمسح بهذا الجذع أو بنى عليه بناءً أو طاف حوله.
كما يفعل اليوم كثيرون بقبور الأولياء وآثار الصالحين، مع أنه آية ظاهرة وباشر الجسد الشريف.
وقول النبي ﷺ: "لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة" كأن فيه إشارة أن من الخير ألا يحصل هذا.
ولو حصل لرأيت الناس يقيمون المزارات عليه ويقفون دوراً ليحتضن كل واحد منهم هذا الجذع، من رأى افتتان الناس بالقبور وغيرها فإنه يعلم أن هذا ليس بعيداً.
وبعض المنتصرين لأمر التبرك زعموا أن الأخبار الواردة في دفن الجذع لا لعلة منع التبرك، ولكن لعلة عدم معاودة العويل، مع أن النبي ﷺ نبَّه أنه باحتضانه أنهى ذلك.
ثم إن الصحابة ما تبركوا به البتة مع بقائه بعد هذه الحادثة ولا حثُّوا على ذلك، فضلاً عن أفعال أخرى مثل البناء عليه أو الطواف أو الانحناء أو المشي القهقرى دون إعطاء الظهر، كما يفعل كثيرون مع المشاهد.
قال البخاري في صحيحه: "4163- حدثنا محمود، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن طارق بن عبد الرحمن، قال: انطلقت حاجا، فمررت بقوم يصلُّون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله ﷺ بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي "أنه كان فيمن بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها"، فقال سعيد: «إن أصحاب محمد ﷺ لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم»".
أقول: كلمة سعيد بن المسيب من باب الإنكار عليهم، يعني تكونون أعلم من أصحاب رسول الله ﷺ، وهذا ما فهمه كل الشراح، فاستدل بترك الصحابة للعناية بأمر شجرة الرضوان وحتى الصلاة عندها على أن هذا الأمر محدث ومنكر، وهذا ما نقوله في أمر الجذع، وهو من باب أولى في باب القبور.
وإخفاؤها عنهم كانت نعمة، لئلا يغلو بها الجهال حتى يصلوا إلى عبادتها، وهذا ما يقال في الجذع أيضاً.
قال البخاري في صحيحه: "2958- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافع، قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: «رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمةً من الله»".
فعمَّاها الله عن الصحابة لحكمة بالغة أو هم تركوها عمداً، وورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قطعها.
وقال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»: "وإن لم تزل الفتنة إلا بتعفية قبره وتعميته، فعل ذلك كما فعله الصحابة بأمر عمر بن الخطاب في قبر دانيال".
وخبر دانيال هذا مروي في زيادات ابن بكير على سيرة ابن إسحاق بإسناد حسن، وما ذكره الشيخ يؤكد ما ذكرناه من الحكمة في تعمية أمر الجذع وذهابه.
وقال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» معلقاً على قصة الصحابة مع خبر دانيال: "ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره؛ لئلا يفتتن به الناس، ولم يُبْرزوه للدعاء عنده والتبرك به، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف، ولعبدوه من دون الله، فهم قد اتخذوا من القبور أوثانًا مَن لا يُداني هذا ولا يقاربه، وأقاموا لها سَدنَة، وجعلوها معابد أعظم من المساجد".
وما قاله ابن القيم في قبر دانيال نقوله تماماً في أمر الجذع.
ومما يذكر في هذا السياق إلزاماً من كلام بعض من يرى التبرك بالجملة، ولكنه قال كلاماً حسناً في التعليق على هذه الأخبار، قول النووي في شرح مسلم: "(فخفي علينا مكانها) قال العلماء سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك فلو بقيت ظاهرة معلومة لَخِيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم لها فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى".
حديث حنين الجذع من الأحاديث المعروفة والتي لها متعلق بخطبة الجمعة، وهو من دلائل النبوة ومن الأحاديث المتواترة.
قال ابن كثير في «البداية والنهاية»: "وأما حنين الجذع الذي كان يخطب إليه النبي ﷺ، فعُمِل له المنبر، فلما رقي عليه وخطب، حنَّ الجذع إليه حنين العِشار والناس يسمعون صوته بمشهد الخلق يوم الجمعة، ولم يزل يئنُّ ويحنُّ حتى نزل إليه النبي ﷺ فاعتنقه وسكَّنه وخيَّره بين أن يرجع غصنا طريا أو يُغرس في الجنة يأكل منه أولياء الله، فاختار الغرس في الجنة، وسكن عند ذلك؛ فهو حديث مشهور معروف، قد رواه من الصحابة عدد كثير متواتر، وكان بحضور الخلائق. وهذا الذي ذكره من تواتر حديث الجذع هو كما قال".
وعلى شهرته فيه فائدة عقدية لا ينتبه لها كثير من الناس، وهي أنه لم يرد عن أحد من الصحابة أنه تبرك أو تمسح بهذا الجذع أو بنى عليه بناءً أو طاف حوله.
كما يفعل اليوم كثيرون بقبور الأولياء وآثار الصالحين، مع أنه آية ظاهرة وباشر الجسد الشريف.
وقول النبي ﷺ: "لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة" كأن فيه إشارة أن من الخير ألا يحصل هذا.
ولو حصل لرأيت الناس يقيمون المزارات عليه ويقفون دوراً ليحتضن كل واحد منهم هذا الجذع، من رأى افتتان الناس بالقبور وغيرها فإنه يعلم أن هذا ليس بعيداً.
وبعض المنتصرين لأمر التبرك زعموا أن الأخبار الواردة في دفن الجذع لا لعلة منع التبرك، ولكن لعلة عدم معاودة العويل، مع أن النبي ﷺ نبَّه أنه باحتضانه أنهى ذلك.
ثم إن الصحابة ما تبركوا به البتة مع بقائه بعد هذه الحادثة ولا حثُّوا على ذلك، فضلاً عن أفعال أخرى مثل البناء عليه أو الطواف أو الانحناء أو المشي القهقرى دون إعطاء الظهر، كما يفعل كثيرون مع المشاهد.
قال البخاري في صحيحه: "4163- حدثنا محمود، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن طارق بن عبد الرحمن، قال: انطلقت حاجا، فمررت بقوم يصلُّون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله ﷺ بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي "أنه كان فيمن بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها"، فقال سعيد: «إن أصحاب محمد ﷺ لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم»".
أقول: كلمة سعيد بن المسيب من باب الإنكار عليهم، يعني تكونون أعلم من أصحاب رسول الله ﷺ، وهذا ما فهمه كل الشراح، فاستدل بترك الصحابة للعناية بأمر شجرة الرضوان وحتى الصلاة عندها على أن هذا الأمر محدث ومنكر، وهذا ما نقوله في أمر الجذع، وهو من باب أولى في باب القبور.
وإخفاؤها عنهم كانت نعمة، لئلا يغلو بها الجهال حتى يصلوا إلى عبادتها، وهذا ما يقال في الجذع أيضاً.
قال البخاري في صحيحه: "2958- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية، عن نافع، قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: «رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمةً من الله»".
فعمَّاها الله عن الصحابة لحكمة بالغة أو هم تركوها عمداً، وورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قطعها.
وقال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»: "وإن لم تزل الفتنة إلا بتعفية قبره وتعميته، فعل ذلك كما فعله الصحابة بأمر عمر بن الخطاب في قبر دانيال".
وخبر دانيال هذا مروي في زيادات ابن بكير على سيرة ابن إسحاق بإسناد حسن، وما ذكره الشيخ يؤكد ما ذكرناه من الحكمة في تعمية أمر الجذع وذهابه.
وقال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» معلقاً على قصة الصحابة مع خبر دانيال: "ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره؛ لئلا يفتتن به الناس، ولم يُبْرزوه للدعاء عنده والتبرك به، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف، ولعبدوه من دون الله، فهم قد اتخذوا من القبور أوثانًا مَن لا يُداني هذا ولا يقاربه، وأقاموا لها سَدنَة، وجعلوها معابد أعظم من المساجد".
وما قاله ابن القيم في قبر دانيال نقوله تماماً في أمر الجذع.
ومما يذكر في هذا السياق إلزاماً من كلام بعض من يرى التبرك بالجملة، ولكنه قال كلاماً حسناً في التعليق على هذه الأخبار، قول النووي في شرح مسلم: "(فخفي علينا مكانها) قال العلماء سبب خفائها أن لا يفتتن الناس بها لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك فلو بقيت ظاهرة معلومة لَخِيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم لها فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى".