Forward from: ⚖الميزان⚖
وإن من الأمور التي قد تكون غائبة عن هؤلاء الدعاة، أن إخلالا بالأمانة وتقصيرا فيها، مهما بدى لصاحبه صغيرا، فإنه قد يخلف من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا الله، ولذلك عظم خطر الأمانة، وثقل حملها، واشتد النكير على مضيعها، خصوصا إذا تعلقت بشرع الله وحكمه، ولو كشف الغطاء عن بعض المقصرين في هذه الفتنة مثلا، لأبصروا ما لم يكن يخطر لهم على بال، من دماء سفكت، وأموال خيض فيها بغير حق، وحدود انتهكت، وحقوق منعت، وغير ذلك من الشرور والفساد الذي من أسبابه تهاون من تهاون في الأمانة التي أشفقت السموات والأرض منها، وأبين أن يحملنها، ( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ).
جاء في الحديث الصحيح ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : (ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺇﺫ ﺟﺎﺀﻩ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻓﻘﺎﻝ : ﻣﺘﻰ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ : إﺫﺍ ﺿﻴﻌﺖ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ ﻛﻴﻒ ﺇﺿﺎﻋﺘﻬﺎ؟ ﻗﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻭﺳﺪ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺃﻫﻠﻪ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ).
والساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين يعم الفساد ويطبق في أرجاء الأرض، فكأن من المعنى المستفاد من الحديث -والله أعلم- أن إضاعة الأمانة من أقوى الأسباب وأدعاها إلى انتشار الفساد واستفحاله، وتضخم آثاره وتعديها حتى يعم الفساد الأرض.
فصل
أما الجواب الصحيح لهذه الفتنة، فهو بالتفريق بين تفسير الجرح ببيان سببه الذي هو من منهج الجرح والتعديل، وبين المطالبة بالأدلة على الجرح الذي هو من بدع أبي الحسن المأربي، كما في ردود الشيخ ربيع عليه، كما سيأتي إن شاء الله، فخطأ الشيخ ربيع ليس في إنكار الأدلة، بل في المطالبة بها ابتداء، ولو قدر أن الشيخ ربيع أقر بالأدلة ووافق الشيخ محمد بن هادي على جرحه لهم، لظل هذا الخطأ قائما، ولخشي أن ينسب هذا الخطأ لمنهج الجرح والتعديل، وإلى دين الله، وكلما استعمل عالم الجرح، طولب بالأدلة، ثم انقسم الناس عليها فريقين، بين مثبت لها ومنكر، بل ربما طعن كل فريق في الآخر، هذا بحجة الظلم والجرح بلا أدلة، والآخر بحجة جحد الأدلة وإنكارها!
قد يقول قائل إن مقصودهم بطلب الأدلة هو طلب التفسير، ولا مشاحة في الاصطلاح! وهذا غير صحيح، لأن جواب التفسير لا يكون بالإنكار والمطالبة بالأدلة، بل جوابه بالقبول أو الرد، كما أن هذا هو جواب الجرح أساسا، فالجرح من قبيل الأخبار والشهادات التي لا تحتمل إلا القبول أو الرد، سواء كان مبهما أو مفسرا
فإذا كان من يرد جرح الشيخ محمد بن هادي؛ يرده لأنه جرح مبهم، فالواجب أن يفصح عن هذا، ويبيينه بالعبارة البينة الواضحة التي لا تحتمل حقا وباطلا، كأن يقول أن هذا الجرح مبهم وليس مفسرا، ليكون جوابه بحسب ما يفصح عنه، ولكن لما حادوا عن هذا البيان، واستعملوا عبارة المطالبة بالأدلة التي هي من الكلام المشتبه الذي قد يحمل حقا وباطلا، التبست الأمور، وخفي الحق، وتحير من تحير في هذه الفتنة، ثم زاد الأمر سوءا لما وافقهم من يرد عليهم؛ على المطالبة بالأدلة، وسعى في إبرازها لهم، وكلما أظهر لهم دليلا جحدوه، وحاولوا نقضه، إما بادعاء التوبة منه، أو باتهام خصومهم بمثله، أو غير ذلك من التشويش والتلبيس المعهود عنهم
ولو أن من يرد عليهم، وقف معهم عند الخطأ الأول، ولم يوافقهم فيه، وألزمهم ببيان مرادهم من المطالبة بالأدلة، لاستبان الحق من أول الطريق، ولصار المخطئ هو المطالب بالأدلة لتصحيح خطأه والدفاع عنه، لا العكس، وهو أن يطالب المحق بإقامة الأدلة على جرح مفسر غاية التفسير.
ولما احتيج كذلك إلى الدخول في كثير من التفاصيل والجزئيات التي أدت إلى التحاكم إلى الوقائع والأحداث، لا إلى الكتاب والسنة الذين هما العصمة من الخطأ الضلال، ومن الاختلاف والفرقة، أما الوقائع والأحداث فهي حمالة أوجه، وكل يستطيع أن يروي فيها ما شاء، وأن يفسرها بما شاء، خصوصا مع كثرة الكذب في هذا الزمان، وذهاب المروءة، وقلة الخوف من الله!
ثم إن من فوائد الوقوف معهم عند أول الخطأ وعدم موافقتهم فيه، هو سهولة الانتقال منه إلى الخطأ الأكبر الذي قامت عليه هذه الفتنة، وهو الطعن في العلماء بسبب مسألة اجتهادية قد يخطئ العالم فيها ويصيب، بخلاف من وافقهم على الخطأ الأول، فإنه لا يكاد يتمكن من ذلك؛ فإنه لما وافقهم على المطالبة بالأدلة، حصروه في هذه المطالبة، وشتتوا جهده في إقامة الأدلة وتقريرها، مع أنهم لا غرض لهم في الأدلة أساسا، بل لعل أكثرهم يعلمون من أنفسهم أكثر مما يظهره الخصوم عنهم، فصار الساعي إلى إقامة الأدلة، كالمقر بصحة الطعن إذا كان الجرح بلا أدلة، مع أنه خطأ عظيم، وهو أشد من خطأ المطالبة بالأدلة، فإن هذا نوع غلو؛ وتساهل في أعراض العلماء يشبه تساهل الحدادية فيها!!
جاء في الحديث الصحيح ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : (ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺇﺫ ﺟﺎﺀﻩ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻓﻘﺎﻝ : ﻣﺘﻰ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ : إﺫﺍ ﺿﻴﻌﺖ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ ﻛﻴﻒ ﺇﺿﺎﻋﺘﻬﺎ؟ ﻗﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻭﺳﺪ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺃﻫﻠﻪ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ).
والساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين يعم الفساد ويطبق في أرجاء الأرض، فكأن من المعنى المستفاد من الحديث -والله أعلم- أن إضاعة الأمانة من أقوى الأسباب وأدعاها إلى انتشار الفساد واستفحاله، وتضخم آثاره وتعديها حتى يعم الفساد الأرض.
فصل
أما الجواب الصحيح لهذه الفتنة، فهو بالتفريق بين تفسير الجرح ببيان سببه الذي هو من منهج الجرح والتعديل، وبين المطالبة بالأدلة على الجرح الذي هو من بدع أبي الحسن المأربي، كما في ردود الشيخ ربيع عليه، كما سيأتي إن شاء الله، فخطأ الشيخ ربيع ليس في إنكار الأدلة، بل في المطالبة بها ابتداء، ولو قدر أن الشيخ ربيع أقر بالأدلة ووافق الشيخ محمد بن هادي على جرحه لهم، لظل هذا الخطأ قائما، ولخشي أن ينسب هذا الخطأ لمنهج الجرح والتعديل، وإلى دين الله، وكلما استعمل عالم الجرح، طولب بالأدلة، ثم انقسم الناس عليها فريقين، بين مثبت لها ومنكر، بل ربما طعن كل فريق في الآخر، هذا بحجة الظلم والجرح بلا أدلة، والآخر بحجة جحد الأدلة وإنكارها!
قد يقول قائل إن مقصودهم بطلب الأدلة هو طلب التفسير، ولا مشاحة في الاصطلاح! وهذا غير صحيح، لأن جواب التفسير لا يكون بالإنكار والمطالبة بالأدلة، بل جوابه بالقبول أو الرد، كما أن هذا هو جواب الجرح أساسا، فالجرح من قبيل الأخبار والشهادات التي لا تحتمل إلا القبول أو الرد، سواء كان مبهما أو مفسرا
فإذا كان من يرد جرح الشيخ محمد بن هادي؛ يرده لأنه جرح مبهم، فالواجب أن يفصح عن هذا، ويبيينه بالعبارة البينة الواضحة التي لا تحتمل حقا وباطلا، كأن يقول أن هذا الجرح مبهم وليس مفسرا، ليكون جوابه بحسب ما يفصح عنه، ولكن لما حادوا عن هذا البيان، واستعملوا عبارة المطالبة بالأدلة التي هي من الكلام المشتبه الذي قد يحمل حقا وباطلا، التبست الأمور، وخفي الحق، وتحير من تحير في هذه الفتنة، ثم زاد الأمر سوءا لما وافقهم من يرد عليهم؛ على المطالبة بالأدلة، وسعى في إبرازها لهم، وكلما أظهر لهم دليلا جحدوه، وحاولوا نقضه، إما بادعاء التوبة منه، أو باتهام خصومهم بمثله، أو غير ذلك من التشويش والتلبيس المعهود عنهم
ولو أن من يرد عليهم، وقف معهم عند الخطأ الأول، ولم يوافقهم فيه، وألزمهم ببيان مرادهم من المطالبة بالأدلة، لاستبان الحق من أول الطريق، ولصار المخطئ هو المطالب بالأدلة لتصحيح خطأه والدفاع عنه، لا العكس، وهو أن يطالب المحق بإقامة الأدلة على جرح مفسر غاية التفسير.
ولما احتيج كذلك إلى الدخول في كثير من التفاصيل والجزئيات التي أدت إلى التحاكم إلى الوقائع والأحداث، لا إلى الكتاب والسنة الذين هما العصمة من الخطأ الضلال، ومن الاختلاف والفرقة، أما الوقائع والأحداث فهي حمالة أوجه، وكل يستطيع أن يروي فيها ما شاء، وأن يفسرها بما شاء، خصوصا مع كثرة الكذب في هذا الزمان، وذهاب المروءة، وقلة الخوف من الله!
ثم إن من فوائد الوقوف معهم عند أول الخطأ وعدم موافقتهم فيه، هو سهولة الانتقال منه إلى الخطأ الأكبر الذي قامت عليه هذه الفتنة، وهو الطعن في العلماء بسبب مسألة اجتهادية قد يخطئ العالم فيها ويصيب، بخلاف من وافقهم على الخطأ الأول، فإنه لا يكاد يتمكن من ذلك؛ فإنه لما وافقهم على المطالبة بالأدلة، حصروه في هذه المطالبة، وشتتوا جهده في إقامة الأدلة وتقريرها، مع أنهم لا غرض لهم في الأدلة أساسا، بل لعل أكثرهم يعلمون من أنفسهم أكثر مما يظهره الخصوم عنهم، فصار الساعي إلى إقامة الأدلة، كالمقر بصحة الطعن إذا كان الجرح بلا أدلة، مع أنه خطأ عظيم، وهو أشد من خطأ المطالبة بالأدلة، فإن هذا نوع غلو؛ وتساهل في أعراض العلماء يشبه تساهل الحدادية فيها!!