ما وراء الأشياء!كان من عادة هنري فورد، صاحب شركةِ فورد العملاقة للسيارات، أن يُجري بعض المقابلات الهامة بعيداً عن مكتبه!
ولهذا الغرض فقد تناول العشاءَ مع مُرشَّحيْنِ لمنصبٍ مرموقٍ في شركته، كان كلاهما قد تخرَّجَ من الجامعة نفسها، ولديهما المعدل التراكميِّ ذاته!
وعندما خرجَ الجميعُ من المطعمِ قال فورد لأحدهما: لقد تمَّ تعينك في المنصب!
وقال للآخر: أعتذرُ منكَ لن تكون ضمن فريقنا!
استجمعَ الشَّابُّ المرفوضُ شجاعته، وقال له: سيد فورد، هل لي أن أسألكَ سؤالاً؟
فقال له: تفضل.
قال: نحن لم نتحدثْ عن الهندسة، ولا السيارات، ولا الجامعة، تحدَّثنا في الأمورِ العامةِ فقط، فلِمَ تمَّ توظيف صديقي ورفضي أنا؟
فقال له: لسببين اثنين!
الأول: صديقك تذوَّقَ شريحةَ اللحمِ ثم أضافَ إليها ملحاً، وأنتَ أضفتَ الملحَ قبل أن تتذوقها، يعجبني الأشخاص الذين يُجرِّبُونَ الأشياءَ قبل محاولة تغييرها!
الثاني: كان صديقك مؤدباً مع النادلين، يقول: شكراً، وآسف! أما بالنسبةِ لكَ فكانوا غير مرئيين تماماً! كنتَ مؤدباً معي فقط! القائدُ الرائعُ الذي يريدُ أن يتركَ أثراً في عمله عليه أن يتعاملَ مع الجميعِ على أنهم بشر!
تصرفاتٌ صغيرةٌ تُنبئُ بالكثير!
لا تحتاجُ أن تدخلَ إلى أعماقِ الآخرين لتعرف!
ركوبكَ مع سائقٍ لعشر دقائق كفيلة بإعطائك فكرةً عن شخصيته، أدبه، اتزانه، طريقته في أخذ القرار، تقديره للعواقب. عليكَ أن تكون لماحاً فقط!
سواءً أعطى شخصٌ المالَ لفقيرٍ يسألُ صدقةً أو رفض إعطاءه هذا يُعطي الكثير من الإشارات عن شخصيته. الاعتذار بأدبٍ أفضل من العطاءِ باستعلاء، لأن الفكرة ليست متعلقةً بتقديم الأشياءِ بقدر ما هي متعلقة بطريقتها، الناس قد يُراؤون بالعطاء ولكنَّ أدبَ الاعتذارِ كاشف!
الطريقةُ التي يمشي بها رجلٌ وزوجته في الطريقِ بإمكانها أن تُعطيَ صورةً من العلاقة بينهما!
نبرةُ الصَّوتِ التي يتحدَّثُ الأبُ بها مع أبنائه كفيلةٌ بكشفِ طريقته في التربية!
المفرداتُ التي يختارها أحدهم في حديثه قد لا تكشفُ عن الشَّهادةِ التي يحملها ولكنها حتماً ستكشفُ عن مقدار فهمه!
تقدَّمَ شابٌّ لخطبة فتاة، فسمعها ترفعُ صوتها على أمها، وعندما دخلتْ عليه بالقهوة، شربَ فنجانه وقام فانصرفَ!
منظومة قيم الإنسان وأخلاقه لا تحتاج إلى الكثير لمعرفتها!
كونوا لمَّاحين!
- أدهم شرقاوي ✨