وكما علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقابل الإحسان بالإحسان والمعروف بالمعروف وأن نقابل الجميل بالشكران بقوله فقد علمنا ذلك بفعله وترجم ذلك لأمته ببيانه العملي عليه الصلاة والسلام، فكان يشكر المعروف للكبير والصغير، للذكر والأنثى، للمسلم والكافر؛ بل حتى لبهائم الأنعام وللدواب، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» ([9])، حتى إن عرابيا أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية فأعطاه عليه الصلاة والسلام ولم يزل يعطه وهو غير راض حتى رضي. قابل هديته بالثواب. ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ما غرت على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يذكرها كثيراً وكان ربما يذبح الشاتة ثم يقطعها أعضاءً ثم يبعث بها في صدائق خديجة. قالت رضي الله عنها: وكان يقول إنها» أي: خديجة «كانت، وكانت، وكانت وكان لي منها ولد» يعرف مواقف امراته وزوجته عليه الصلاة والسلام، يعرف نصرتها له، يعرف إعانتها له، يعرف حسن عشرتها له، يعرف ما قامت به معه عليه الصلاة والسلام حتى بعد موتها «إنها كانت، وكانت، وكانت» أي: فعلت، وفعلت، وفعلت، «وكان لي منها ولد» أين كثير من الأزواج الذين لا يعرفون معروف نسائهم ولا محاسنهم ولا جميلهم؟! بأتفه الأسباب ينسفون كل جميل قامت به نساؤهم، بأدنى الأسباب ينسفون الخير والعشرة والإحسان ربما عشرات السنين ثم بعد ذلك يهينها ويطلقها لأتفه الأسباب، انظر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لا ينسى الجميل ويقابل المعروفة بالإحسان والشكران «إنها كانت، وكانت، وكانت، وكان لي منها ولد».
وهكذا الصغار كان النبي عليه الصلاة والسلام يقابل نفعهم ولو كان نفعهم بسيطا، يقابله بالجميل والإحسان والشكران، جاء في الصحيح في البخاري وغيره وهو في مسند أحمد ([10]) أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه «وضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه». انظر إلى هذا العمل اليسير والخدمة السهلة من هذا الصبي الذي لم يبلغ، مات النبي عليه الصلاة والسلام وهو مناهز الاحتلام، «وضع له وضوءه». بماذا قابل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الخدمة؟ بماذا قابل هذا المعروف؟ بماذا قابل هذا الإحسان؟ هل قابله بالاحتقار؟ هل قابله بالإزدراء؟ هل قابله بالإعراض؟ قابله بالشكران ومعرفته وتقديره صلى الله عليه وسلم. فقال: «من وضع هذا؟. قالت ميمونة: وضعه عبد الله بن عباس. فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم علمه التأويل وفقه في الدين». دعا له؛ لأنه فعل له معروفا يسيرا.
ومع الكفار عليه الصلاة والسلام ما كان ينسى المعروف ولا كان يهدر الجميل روى البخاري في صحيحه ([11]) من حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أنه لما جاء يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في أسارا بدر فقال عليه الصلاة والسلام لجبير: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا.» وهو مشرك ومات على الشرك. «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.» قال الشراح: لأنه كان لمطعم يد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعروف فعله، واختلفوا في ذلك المعروف ما هو. انظر ما قال: هذا مشرك نهدر معروفه؛ بل أحسن إليه، عرف له المعروف، «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.».
بل الدواب يا عبد الله كذلك روى الإمام أبو داود من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ.» «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ» لماذا؟ لأنه ينفعكم؛ لأنه يفيدكم فيوقظ للصلاة. انظر كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف هذا النفع لدابة عجماء! ديك نهاك عن سبه؛ لأنه ينفعك وينبهك لوقت الصلاة. وروا الإمام مسلم ([12]) من حديث عمران بن حسين رضي الله تعالى عنه: «أن الكفار أخذوا امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فالتمست غفلتهم فركبت على ناقته وهربت بها، وقالت: نذرت لله إن نجاني الله عليها أن أنحرها. فلما وصلت المدينة ونجت بإذن الله أرادت أن تنحرها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك» فياترى ماذا قال؟ قال: «سبحان الله بئس ما جزتها نذرت أن تنحرها بعد إذ نجت عليها لا نذرة في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد» انظروا يا عباد الله إلى عظمة الإسلام ومحسن هذا الدين! حتى الدواب يعرف لها نفعها ويعرف لها فائدتها.
وهكذا الصغار كان النبي عليه الصلاة والسلام يقابل نفعهم ولو كان نفعهم بسيطا، يقابله بالجميل والإحسان والشكران، جاء في الصحيح في البخاري وغيره وهو في مسند أحمد ([10]) أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه «وضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه». انظر إلى هذا العمل اليسير والخدمة السهلة من هذا الصبي الذي لم يبلغ، مات النبي عليه الصلاة والسلام وهو مناهز الاحتلام، «وضع له وضوءه». بماذا قابل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الخدمة؟ بماذا قابل هذا المعروف؟ بماذا قابل هذا الإحسان؟ هل قابله بالاحتقار؟ هل قابله بالإزدراء؟ هل قابله بالإعراض؟ قابله بالشكران ومعرفته وتقديره صلى الله عليه وسلم. فقال: «من وضع هذا؟. قالت ميمونة: وضعه عبد الله بن عباس. فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم علمه التأويل وفقه في الدين». دعا له؛ لأنه فعل له معروفا يسيرا.
ومع الكفار عليه الصلاة والسلام ما كان ينسى المعروف ولا كان يهدر الجميل روى البخاري في صحيحه ([11]) من حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أنه لما جاء يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في أسارا بدر فقال عليه الصلاة والسلام لجبير: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا.» وهو مشرك ومات على الشرك. «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.» قال الشراح: لأنه كان لمطعم يد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعروف فعله، واختلفوا في ذلك المعروف ما هو. انظر ما قال: هذا مشرك نهدر معروفه؛ بل أحسن إليه، عرف له المعروف، «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ.».
بل الدواب يا عبد الله كذلك روى الإمام أبو داود من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ.» «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ» لماذا؟ لأنه ينفعكم؛ لأنه يفيدكم فيوقظ للصلاة. انظر كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف هذا النفع لدابة عجماء! ديك نهاك عن سبه؛ لأنه ينفعك وينبهك لوقت الصلاة. وروا الإمام مسلم ([12]) من حديث عمران بن حسين رضي الله تعالى عنه: «أن الكفار أخذوا امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فالتمست غفلتهم فركبت على ناقته وهربت بها، وقالت: نذرت لله إن نجاني الله عليها أن أنحرها. فلما وصلت المدينة ونجت بإذن الله أرادت أن تنحرها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك» فياترى ماذا قال؟ قال: «سبحان الله بئس ما جزتها نذرت أن تنحرها بعد إذ نجت عليها لا نذرة في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد» انظروا يا عباد الله إلى عظمة الإسلام ومحسن هذا الدين! حتى الدواب يعرف لها نفعها ويعرف لها فائدتها.