«الفصل الخامس»
ولكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس والألمونيوم فبدلا من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أرادني أساتذتي الألمان، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغرا إلى جانب عامل صهر معادن كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم، كنت أخدمه حتى في وقت أكله، مع أنني من أسرة ساموراي .. والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان، لكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء
قضيت في هذه الدراسة والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها بين 10 و 15 ساعة في اليوم . فبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة...
وعلم إمبراطور اليابان بأمري، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهبا. اشتريت بها عدة وأدوات وآلات لمصنع محركات متكامل وعندما أردت شحنها إلى الماضية لاستكمال إجراءات الشحن .. عندما وصلنا إلى نجازاكي قيل لي : إن الامبراطور
اليابان كانت النقود قد نفدت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته خلال تلك السنوات
يريد أن يراني، قلت : لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشيء مصنع محركات متكامل . استغرق
ذلك تسع سنوات .. تسع سنوات من العمل الشاق والجهد المتواصل...
وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي 10 محركات صنعت في اليابان قطعة قطعة حملناها إلى القصر ووضعناها في قاعة خاصة بنوها لنا قريبا منه أدرنا جميع المحركات العشرة وانتظرنا دخول الامبراطور إلى القاعة، ولما دخل ابتسم وقال : هذه أعذب سيمفونية سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة .. هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب، نقلناه إلى اليابان، نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب .. وبعد ذلك
الحدث السعيد ذهبت إلى البيت فنمت عشر ساعات كاملة .. وهي أول مرة أنام فيها 10
ساعات كاملة منذ 15 عاما" ...
بعد أن قرأت هذا الكلام بقيت شاردا لبعض الوقت أحدق في الفراغ حتى جاء ضياء فجأة وقطع شرودي قائلا : فيم تفكر كل هذا؟ هل قرأت
القصة؟"
" نعم قرأتها، وهي سبب شرودي، فأنا أفكر في نفسي وفي شباب أمتي،
كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من الهزيمة الداخلية والاستسلام، ولماذا
نحن هكذا وهم هكذا ؟ لماذا يفكرون بتلك الطريقة؟ ولماذا لا نفكر نحن بها؟
لماذا صرنا زائدين على الحياة؟ ولماذا لم تعد لنا قيمة؟ لماذا لا نكافح ونعرق
وننتج ؟ لماذا نبقى ضعفاء مستوردين عالة على الأمم، نجلس على المقاهي نشكو حالنا وننتظر أن تمطرنا السماء ذهبا، وأن تحل مشاكلنا من تلقاء نفسها من دون أن نبذل جهدا في حلها ؟" قال بحسرة ومرارة كانت تنزف من كلماته: " إنها الحرب يا عزيزي .. فقد اكتشفوا أن حربهم بالسلاح كانت تثير روح المقاومة والتعاون والإصرار على النصر، فأوقفوها .. ثم أشعلوا حربا باردة تستهدف دين الشباب وعقولهم وعزيمتهم وأخلاقهم وحتى صحتهم وأسرهم صارت حروبهم لنا عبر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء تجعل من شبابنا غثاء تافها لا قيمة له على صفحة الحياة، تلك الحرب التي تقدم الرواية الغثة والفيلم الرخيص والمقطع الإباحي النجس، تماما كما تقدم كأسا من الخمر أو قطعة من المخدر، فجميعها
تعمل على نفس المستوى فتخدر العقل والروح وتميت الضمير الحي، وتترك
وراءها أشباحا كأشباه البشر، لا تنتفع منهم أمتهم بشيء"... نظرت لعينيه فوجدتهما مليئتين بالدموع، على عكس ما اعتدت أن أرى ضياء الذي أضاء حياتي بتفاؤله وإيجابيته وقوة عزيمته وكلماته .. فبادرته
لأقطع لحظة صمت ثقيلة : ألا ترى النور في آخر النفق ياضياء؟."
تبسم برغم الألم الذي ملأ وجهه، فأضاء وجهه ذو الملامح الشرقية الأصيلة، ثم ضاقت عيناه وهو ينظر للبعيد، وكأن دفعة من الحماسة تخرج منها .. وتحركت شفتاه في ثقة عميقة : بلى أراه بالطبع .. لقد جاءتنا بشارات قوية في القرآن والسنة، وسوف يبزغ الفجر وينقشع الظلام برغم كل ما يفعلوه بنا، وسوف يملأ النور الدنيا برغم أنف الخفافيش الكثيرة التي تعيث في
الظلام، ولكن.....
" ولكن ماذا ؟ ."
وبكل الحب والفائدة يتبع...
ولكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس والألمونيوم فبدلا من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أرادني أساتذتي الألمان، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغرا إلى جانب عامل صهر معادن كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم، كنت أخدمه حتى في وقت أكله، مع أنني من أسرة ساموراي .. والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان، لكنني كنت أخدم اليابان، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء
قضيت في هذه الدراسة والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها بين 10 و 15 ساعة في اليوم . فبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة...
وعلم إمبراطور اليابان بأمري، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهبا. اشتريت بها عدة وأدوات وآلات لمصنع محركات متكامل وعندما أردت شحنها إلى الماضية لاستكمال إجراءات الشحن .. عندما وصلنا إلى نجازاكي قيل لي : إن الامبراطور
اليابان كانت النقود قد نفدت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته خلال تلك السنوات
يريد أن يراني، قلت : لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشيء مصنع محركات متكامل . استغرق
ذلك تسع سنوات .. تسع سنوات من العمل الشاق والجهد المتواصل...
وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي 10 محركات صنعت في اليابان قطعة قطعة حملناها إلى القصر ووضعناها في قاعة خاصة بنوها لنا قريبا منه أدرنا جميع المحركات العشرة وانتظرنا دخول الامبراطور إلى القاعة، ولما دخل ابتسم وقال : هذه أعذب سيمفونية سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة .. هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب، نقلناه إلى اليابان، نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب .. وبعد ذلك
الحدث السعيد ذهبت إلى البيت فنمت عشر ساعات كاملة .. وهي أول مرة أنام فيها 10
ساعات كاملة منذ 15 عاما" ...
بعد أن قرأت هذا الكلام بقيت شاردا لبعض الوقت أحدق في الفراغ حتى جاء ضياء فجأة وقطع شرودي قائلا : فيم تفكر كل هذا؟ هل قرأت
القصة؟"
" نعم قرأتها، وهي سبب شرودي، فأنا أفكر في نفسي وفي شباب أمتي،
كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من الهزيمة الداخلية والاستسلام، ولماذا
نحن هكذا وهم هكذا ؟ لماذا يفكرون بتلك الطريقة؟ ولماذا لا نفكر نحن بها؟
لماذا صرنا زائدين على الحياة؟ ولماذا لم تعد لنا قيمة؟ لماذا لا نكافح ونعرق
وننتج ؟ لماذا نبقى ضعفاء مستوردين عالة على الأمم، نجلس على المقاهي نشكو حالنا وننتظر أن تمطرنا السماء ذهبا، وأن تحل مشاكلنا من تلقاء نفسها من دون أن نبذل جهدا في حلها ؟" قال بحسرة ومرارة كانت تنزف من كلماته: " إنها الحرب يا عزيزي .. فقد اكتشفوا أن حربهم بالسلاح كانت تثير روح المقاومة والتعاون والإصرار على النصر، فأوقفوها .. ثم أشعلوا حربا باردة تستهدف دين الشباب وعقولهم وعزيمتهم وأخلاقهم وحتى صحتهم وأسرهم صارت حروبهم لنا عبر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء تجعل من شبابنا غثاء تافها لا قيمة له على صفحة الحياة، تلك الحرب التي تقدم الرواية الغثة والفيلم الرخيص والمقطع الإباحي النجس، تماما كما تقدم كأسا من الخمر أو قطعة من المخدر، فجميعها
تعمل على نفس المستوى فتخدر العقل والروح وتميت الضمير الحي، وتترك
وراءها أشباحا كأشباه البشر، لا تنتفع منهم أمتهم بشيء"... نظرت لعينيه فوجدتهما مليئتين بالدموع، على عكس ما اعتدت أن أرى ضياء الذي أضاء حياتي بتفاؤله وإيجابيته وقوة عزيمته وكلماته .. فبادرته
لأقطع لحظة صمت ثقيلة : ألا ترى النور في آخر النفق ياضياء؟."
تبسم برغم الألم الذي ملأ وجهه، فأضاء وجهه ذو الملامح الشرقية الأصيلة، ثم ضاقت عيناه وهو ينظر للبعيد، وكأن دفعة من الحماسة تخرج منها .. وتحركت شفتاه في ثقة عميقة : بلى أراه بالطبع .. لقد جاءتنا بشارات قوية في القرآن والسنة، وسوف يبزغ الفجر وينقشع الظلام برغم كل ما يفعلوه بنا، وسوف يملأ النور الدنيا برغم أنف الخفافيش الكثيرة التي تعيث في
الظلام، ولكن.....
" ولكن ماذا ؟ ."
وبكل الحب والفائدة يتبع...