علي وجيه


Channel's geo and language: Iran, Persian
Category: Books


شاعر وكاتب وإعلامي عراقي.

Related channels  |  Similar channels

Channel's geo and language
Iran, Persian
Category
Books
Statistics
Posts filter


الشوقُ قصبةُ مملكة المُحبّين، فيها عرشُ عذاب الفراق منصوب، وسيفُ هولِ الهجران مسلول، وغصنُ نرجس الوحدةِ على كفّ الأمل موضوع، وفي كل آنٍ يطيحُ السيف بألفٍ من الرقاب، قالوا: إن سبعة آلاف من السنين قد مضت، ولكن النرجس لا يزالُ غضّاً طرياً لم يصل إليه كفّ أيّ أمل بعد.

البسطامي




يحكي عن" البرج العاجي بصفته ليس عيبا او فوقية، بل هو طبقات من الوعي والفهم، لا يمكن للمرء ان يتفاعل معها الا بعد أن يجهز نفسه بترسانة معرفية".. والحوار المتبادل يطول ل ١٣٠صفحة، لتكتشف باخر الصفحات انه عُد اصلا ليكون كتابا مشتركا بالاتفاق بين الاثنين، ويضاف إلى رصيد مكتبتيهما.


نغزة ضمير "واتساب عراقي"
بنغزة ضمير كالعادة، ينكزنا علي وجيه، ويشعرنا بغيرة شديدة، كونه القارئ النهم الذي تفتحت عينيه على مكتبة بيت مليئة بالكتب، وشهدت أولى خطوات المشي، تجواله في شارع المتنبي، فعدت إلى زاوية الكتب المرصوصة بمتناول اليد وانا اجلس كالعادة على اريكتي المفضلة، ملتحفة بغطائي الناعم، وامام شاشة التلفزيون. لقاءه التلفزيوني الاخير، سرقني من مسلسلات رمضان وضعني بزاوية شعور من شارف على سن الستين، ويتمنى نيل شهادة الدكتوراه وهو ناسي ما درسه البكالوريوس اصلا، دكتوراه من النوع الصحيح لا الفخرية ال ١٠ بالف. كم فاتني من المعرفة والبحث والقراءة كي الحق بما يعرفه علي، هكذا بسؤال وحيد يختزل بإجابة مسيرة الشعر العربي بمقارنة المتنبي بالجواهري، شعرا وتاثيرا وسيرة ذاتية وعلاقتها بنتاج قمتي الشعر العربي على مدى التاريخ. وهنا يجيب علي ان الثقافة "منهكة" او "مهلكة"، وان لم تكن منتجة ويخرج منها القارئ بمقاربة وتحليل يغير من وعيه ووعي محيطه، فتكون عبثا وانانية وضياع للوقت والجهد. فيعود عليا يستثمر قراءاته لسستمة مفاهيم معتادة قد تكون صحيحة او خاطئة بطريقة منطقية مفسرة للفاهم وغير الفاهم، فهو الممسك بالكشاف في درب الضباب المظلم.
واذ بيدي تمتد لأول كتاب يبدو سريع القراءة كقراءة رسائل الواتساب، "واتساب عراقي"، كتاب قرات منه ١٠ صفحات قبل أشهر واعدته للزاوية وعدت لماكينة الحياة التي لا تنتظر، بين عمل ومسؤوليات وملهيات حديثة تعطب الدماغ وتاكل الذاكرة كمن يمحي خلايا الدماغ بمسحة الإصبع، لتصفح سريع لمحتوى الدقيقة من العمر. كتاب "واتساب عراقي" كتاب مثير للفصول، فهو كتاب مراسلات بين شابين اديبين من عقد الثمانينات، شاعر وروائية، حوار صريح وعلاج نفسي يالفضفضة والتحليل العميق بين صديقين مثقفين حقيقيين لكن مختلفين، شاعر ولد يفسحة زمنية بين حربين عراقية، انغمس بمشاكل العراق حتى اذنه، وغسل خوفه من الموت بعد تكرار فقدان أصدقائه واحدا تلو الاخر بين شهيد، ومغدور، وضحية حوادث سير تتكرر كل يوم على طرقات الموت. لا يابه لنقد،ومعاد على ثناء أصدقاء واساتذته من المثقفين الكبار، ويعرف كيفية الوصول للشباب البعيد عن الكتاب، رايه الصريح مسموع من الفئتين، لذا تليق عليه صفة الانفلونسر او المؤثر، وعلى الطرف الآخر من المحادثة الواتسابية، روائية هاجرت مبكرا ونالت جنسية وتعليم أوربي، وعادت للعراق كاتبة وزوجة ولم لولد لاعب كرة قدم محبوب وبطل كروي، لكن نشأت لم يات ذكره في الكتاب، وكذلك ام معنى زوجة على الذي يتغزل بها مرارا في منشوراته، فكان الكتاب عبارة عن رسائل طويلة بين الطرفين، يرد كل منهما على الآخر باسهاب وفضفضة واستشهاد بقراءات ومقتبسات من كُتاب عرب وأجانب ليدعما افكارهما.
يطرحان وجهتا نظر، يتفقا عليها الاثنين، يُعلي كل منهما على الآخر بالمنطق والتحليل ويحليان الحوار المر ذو الشجون بقفشات عن الأكل والأولاد وما خزن في ذاكرتهما من ومضات الطفولة. حوري كما يدلعها علاوي تحب البحر، البعيد عن نهري العراق، فهي التي اعتادت ان تزور البحر القريب من مدرستها الدنماركية حتى بأيام البرد القارس، باحثة عن هويتها المختلطة باعراق غريبة لم تشعر بينها بالفة او دفء المشاعر العراقية الساخنة، تلك المشاعر التي تدفع علي لمناقشة أمور ثقافية عويصة بانفعال. ومن ثم يكسر هذا الانفعال الذي كتبه بدرجة حرارة ٥٢ صيفية ليرطبه بسؤال عن الأطفال.. أطفالهم الذين يخشون عليهم حياتا يتقاسمون فيها تربيتهم هم وَالتكنلوجيا الحديثة. مواضيع شائكة مثل ادباء الداخل َالخارج، الهوية وفقدانها، المسؤولية والتناص عنها، الحس الجمعي والفردية عند الناس مثقفين وعامة،
الموسيقى، السينما، الشعر، الرواية التشكيل، كل تلك الفضاءات كتب عنها الاثنان رؤيته وذاكرته وما حمل منها في روحه.
اسلوب كل منهما واضح، من دون حتى النظر إلى حرفي ح أعلى الصفحة مشيرة لدور حوراء النداوي بالرسالة، ولا ع لعلي وجيه بالرد.
يقسم الاثنان تاريخ العراق الحديث بما قبل وبعد ثورة تشرين. ذلك الحدث الذي قلب كل موازين النضال الوطني وما سبقه من نضال احزاب ايديلوجية، وما تلاه من فوضى المحاصصة. حوراء التي من ام كردية افيلية بغدادية، سجنت مع والدتها صغيرة، وتذكر كل تفاصيل ذلك السجن والظلم الذي تلقته عائلتها ولا نعلم كيف أنقذت العائلة مصيرها بالهجرة إلى أوربا، ربنا سفرت العائلة كغيرها من العوائل العراقية المتهمة بالتبعية لإيران ابان الحكم الدكتاتوري الصدامي.. علي اكيد يعرف كيف كونه صديق العائلة، لذلك لم تحتج لكتابة هذه التفاصيل. بينما أسهبت بالكتابة في مواضيع أخرى، حيث تصف الكتابة بأنها "تفريغ للقلق، لان الارتباط ينخرنا، نكتب لكيلا يتراكم في جوفنا أمراض سيستعصي الشفاء منها لو اننا لم نفكمها بالتسطير"
اما علي فياخذها، وياخذنا معها باتجاه فهم عقلية الكاتب والفنان وعلاقتهما بالمتلقي.


‏لعنَ الله ابنَ تيمية، وابن عبد الوهاب، وابن الوليد، وبسْر، ونواصب التأريخ، لقد قتلتم ابنَ الحمق، ومحمّد بن أبي بكر، وسعيد بن جبير، بذات الطريقة الآن التي نشاهدها في تيليغرام. القوم أبناء القوم، وأنتم أبناء جلاّدي التواريخ كلّها. الحمد لله الذي سترنا بعليَ(ع)، وفضحكم بأجدادكم


ثلج. ٣٠*٢٤. مواد مختلفة على ورق.




المخرج علي حديد، صاحبُ #العشرين ، أعوّل عليكًَ كثيراً، ما تفعله مع صحبكَ، من عاطفةٍ وكتابة تأريخ، بجمال كتابة وأداء وصورة، يجعلني مطمئنّاً على أشياء كثيرة. سلمتَ أيها الحبيب، حلقة المصعد اليوم تذكير بتاج رأس العرب، جرحنا الأكبر، نصر الربّ ويده وصوته. شكراً لكلّ هذا الجمال 🌷


‏مَن برّرَ سبايكر، والخسفة، مَن برّر المفخخات التي مزّقتنا لأكثر من عقد ونصف، مَن حاول رشّ العطر على بالوعات الإر.هاب، بإعلامه ومنشوراته، هل ستحرجه مجز.رة الجولاني وأتباعه ضد العلويين؟ لا، القوم أبناء القوم، وما زلنا محشورين بين كتابيْ "موسوعة العذاب" و"مقاتل الطالبيين" ما حيينا.




عميان بسماية - بغداد
.
بين سريري، وطاولتي، ٣٠ كيلومترا.
اقتلعتُ نفسي من فراشي بصعوبة، لالتزامٍ لديّ في بغداد، وأسوأ الالتزامات ما كان في شهرٍ كسول مثل رمضان، بيومٍ فارغٍ مثل الجمعة، لكنني قمتُ، فالعمل يسحبُ المرء من أذنه، خصوصاً إن كان شخصاً لا يمتلكُ رفاهية الكسل، أو حتى إغلاق الهاتف.
لم أعر المطرَ اهتماماً، هذا الذي ظلّ يرشقُ نافذتي طوال اليوم، فبالنسبةِ لرجلٍ خرّبَ حياتَهُ في جميع الفصول، صارَ يرى المطرَ مجرّد سخافة، ماءً نازلاً من أعلى، شيئاً مملاّ، سائلاً يهطلُ، ثمّ يتبخر، ليعاودَ الصعود، ثمّ يتكاثف، ويعود مجدداً، لا علاقة له لا بالرومانسيّة ولا حتّى بفيروز، التي أحبّت حبيبها بالصيف والشتاء، بطريقةٍ ما: كلّ المشاعر هي اضطرابٌ هرمونيّ، عدا الحزن، بجلال قدره، ببذلته السوداء الغامقة جدّاً، ومنذ فترة طويلة صار المطر بالنسبة لي هو ذلك الشيء الذي يُنعش الأهوار، ويقلّل سطوة أنقرة علينا، نحن البلد المسكين في هذا الملفّ. فقط.
وبالنسبة لرجلٍ، إن سُئِلَ عن عمره أين أفناه؟ سيُجيبُ: وراء مِقود السيّارة، فإنني قدتُ بأغرب طقوس العالم، ضباب السليمانيّة الذي لا ترى منه أكثر من مترين، المطر الكثيف، الشمس الحارقة، التيْه، الثلج، كلّها قدتُ فيها، ووصلتُ سالماً، بطريقةٍ ما إلى النقطة (ص) من النقطة (س)، لأنني أؤمن أيضاً، بطريقةٍ ما، إن الرحلة التي يقوم بها رأسكَ على الوسادة قبل النوم هي الأخطر، ولن تعود منها سالماً كلّ مرة.
لكن الأغرب، اليوم، بين سريري وطاولتي، هو دربُ بغداد، المظلم، وبطريقةٍ ما، نفعتْني ذاكرتي الصورية، بالقيادة، ماسحاتُ الزجاج على أقصى سرعتِها لم تكن تنجح بمنحي زجاجاً واضحاً، خصوصاً وأنني أقودُ بلا نظّارة، فمضيتُ أقود كمن يبحثُ بغرفةٍ مظلمة عن علبة ثقابٍ بين الأدراج، والسيّارة تشقّ المياه.
وبطريقةٍ ما، مثل قططٍ مذعورةٍ، تجمّعت خمسُ سيّارات، تسيرُ خلف بعضها بهدوء وبطء، مع تشغيل الأضواء، خيط نملٍ بطيء، كلّنا لم نكن نرَ شيئاً سوى أضواء سياراتِنا، أنا على يقين أننا في ظروفٍ أخرى ربّما كنّا لنتشاتم، بسبب السرعة أو البطء، لكننا تضامنّا، وسرنا الـ ٣٠ كيلومترا، مثل أصدقاء عمر، الجيب الرصاصيّة، السنتافيا البيضاء، التاهو السوداء، السايبا الصفراء، وسيارة أخرى لم أتبيّن موديلها، صينيّة.
كانت رحلةَ عُمْر في ٣٠ كيلومترا، يتكفّل صاحب التاهو باكتشاف السايد الأوسط، لعلوّ سيارته، أما أنا، فكانت مهمّتي إضاءة الطريق المظلم باللايت الزينون، العالي، بينما قطعَ الطريق الأيمن، على حمقى الطرق الخارجيّة، صاحب السنتافيا، وكدتُ أشعرُ بالتعاطف الجماعيّ حين ينزلقُ إطار لأحد السيّارات بطسّة كبيرة، لا يحفظُ سائقُ السيّارة مكانها بالضبط، أما الأغرب فقد كان الاعتماد على البرق السريع، بإضاءة الطريق، بمشهدٍ غريب، خصوصاً وأن الماء القادم معه هو ما يحجبُ الرؤية، وليس غيره.
هذا التضامن القططيّ، بين السيارات الخمس، بين المضطرّين للخروج من شققهم المتماثلة، باتجاه العاصمة القاسية، تحت هذا المطر العجيب، ذكّرني بلوحة بيتر بروغل الكبير، "أعمى يقود عمياناً"، الفرق إننا لم نكن عمياناً تماماً، ولا مبصرين.
العمى والإبصار، الذي كنّا فيه، هو أن تكونَ أعمى لدرجة اضطراركَ للخروج للظلمة بهذا الطقس، والإبصار، أن لا تخافَ من الطريق المظلم الغارق بالماء الأسود، بقدر خوفكَ من الساعة الأخيرة قبل النوم، على الوسادة البيضاء.


عميان بسماية - بغداد
.
بين سريري، وطاولتي، ٣٠ كيلومترا.
اقتلعتُ نفسي من فراشي بصعوبة، لالتزامٍ لديّ في بغداد، وأسوأ الالتزامات ما كان في شهرٍ كسول مثل رمضان، بيومٍ فارغٍ مثل الجمعة، لكنني قمتُ، فالعمل يسحبُ المرء من أذنه، خصوصاً إن كان شخصاً لا يمتلكُ رفاهية الكسل، أو حتى إغلاق الهاتف.
لم أعر المطرَ اهتماماً، هذا الذي ظلّ يرشقُ نافذتي طوال اليوم، فبالنسبةِ لرجلٍ خرّبَ حياتَهُ في جميع الفصول، صارَ يرى المطرَ مجرّد سخافة، ماءً نازلاً من أعلى، شيئاً مملاّ، سائلاً يهطلُ، ثمّ يتبخر، ليعاودَ الصعود، ثمّ يتكاثف، ويعود مجدداً، لا علاقة له لا بالرومانسيّة ولا حتّى بفيروز، التي أحبّت حبيبها بالصيف والشتاء، بطريقةٍ ما: كلّ المشاعر هي اضطرابٌ هرمونيّ، عدا الحزن، بجلال قدره، ببذلته السوداء الغامقة جدّاً، ومنذ فترة طويلة صار المطر بالنسبة لي هو ذلك الشيء الذي يُنعش الأهوار، ويقلّل سطوة أنقرة علينا، نحن البلد المسكين في هذا الملفّ. فقط.
وبالنسبة لرجلٍ، إن سُئِلَ عن عمره أين أفناه؟ سيُجيبُ: وراء مِقود السيّارة، فإنني قدتُ بأغرب طقوس العالم، ضباب السليمانيّة الذي لا ترى منه أكثر من مترين، المطر الكثيف، الشمس الحارقة، التيْه، الثلج، كلّها قدتُ فيها، ووصلتُ سالماً، بطريقةٍ ما إلى النقطة (ص) من النقطة (س)، لأنني أؤمن أيضاً، بطريقةٍ ما، إن الرحلة التي يقوم بها رأسكَ على الوسادة قبل النوم هي الأخطر، ولن تعود منها سالماً كلّ مرة.
لكن الأغرب، اليوم، بين سريري وطاولتي، هو دربُ بغداد، المظلم، وبطريقةٍ ما، نفعتْني ذاكرتي الصورية، بالقيادة، ماسحاتُ الزجاج على أقصى سرعتِها لم تكن تنجح بمنحي زجاجاً واضحاً، خصوصاً وأنني أقودُ بلا نظّارة، فمضيتُ أقود كمن يبحثُ بغرفةٍ مظلمة عن علبة ثقابٍ بين الأدراج، والسيّارة تشقّ المياه.
وبطريقةٍ ما، مثل قططٍ مذعورةٍ، تجمّعت خمسُ سيّارات، تسيرُ خلف بعضها بهدوء وبطء، مع تشغيل الأضواء، خيط نملٍ بطيء، كلّنا لم نكن نرَ شيئاً سوى أضواء سياراتِنا، أنا على يقين أننا في ظروفٍ أخرى ربّما كنّا لنتشاتم، بسبب السرعة أو البطء، لكننا تضامنّا، وسرنا الـ ٣٠ كيلومترا، مثل أصدقاء عمر، الجيب الرصاصيّة، السنتافيا البيضاء، التاهو السوداء، السايبا الصفراء، وسيارة أخرى لم أتبيّن موديلها، صينيّة.
كانت رحلةَ عُمْر في ٣٠ كيلومترا، يتكفّل صاحب التاهو باكتشاف السايد الأوسط، لعلوّ سيارته، أما أنا، فكانت مهمّتي إضاءة الطريق المظلم باللايت الزينون، العالي، بينما قطعَ الطريق الأيمن، على حمقى الطرق الخارجيّة، صاحب السنتافيا، وكدتُ أشعرُ بالتعاطف الجماعيّ حين ينزلقُ إطار لأحد السيّارات بطسّة كبيرة، لا يحفظُ سائقُ السيّارة مكانها بالضبط، أما الأغرب فقد كان الاعتماد على البرق السريع، بإضاءة الطريق، بمشهدٍ غريب، خصوصاً وأن الماء القادم معه هو ما يحجبُ الرؤية، وليس غيره.
هذا التضامن القططيّ، بين السيارات الخمس، بين المضطرّين للخروج من شققهم المتماثلة، باتجاه العاصمة القاسية، تحت هذا المطر العجيب، ذكّرني بلوحة بيتر بروغل الكبير، "أعمى يقود عمياناً"، الفرق إننا لم نكن عمياناً تماماً، ولا مبصرين.
العمى والإبصار، الذي كنّا فيه، هو أن تكونَ أعمى لدرجة اضطراركَ للخروج للظلمة بهذا الطقس، والإبصار، أن لا تخافَ من الطريق المظلم الغارق بالماء الأسود، بقدر خوفكَ من الساعة الأخيرة قبل النوم، على الوسادة البيضاء.


- أقل الناس قراءةً هم السواد الأعظم من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين العراقيين.
- ليس سوى ٧ مكتبات في العاصمة بعد ٢ ظهراً، مكتبة واحدة لكل مليون مواطن.
- نحن محاطون بفقاعات وأكاذيب، مَن يطلق على نفسه لقب "الموسوعي" ليس له كتاب واحد مطبوع!
- قصيدة عبد الرزاق عبد الواحد عن الإمام الحسين (ع) محاولة للوصول لعينية الجواهري، ويحبها الشيعة لأنها من "الآخر".
- وملفات ثانية، في الحلقة هذه..




https://www.youtube.com/live/zMtsu78m1MI?si=aQlhrYr082exWpIy


الثامنة من مساء اليوم، على قناة آي نيوز، مع الصديق حسام البهادلي، ومحاولة لتفكيك أكاذيب الثقافة العراقية، حلقة محتدمة وساخنة.




لا شيءَ أوضح من العالم بلحظته هذه: هو ارتطامُ السرديّات الدينية الابراهيمية فيما بينها. ثمّ ارتطام السرديات المذهبيّة في داخل هذه الأديان. أي حديث عن "الدولة" و"الهوية الوطنية" و"الخصوصية المحلية" لن يعدو إلا كونه شِعراً يدغدغ الروح. ارتطام أديان ومذاهب بالاقتصاد والتوحّش.




دفتر: كوثريّة السيّد رضا الهندي (قدّس سرّه)، في مناقب الأمير(عليه السلام).
١١٠ سم*١٠ سم، أحبار على ورق بروسترو. ٣٠٠ غم.




خيطُ ضوء بين رجليْن..

يستيقظُ كلاهُما من قيلولته، يقومُ عبّاس من سريره المُفرد، الذي يضعُ على خشبته قرب رأسه مسبحتيْه اليُسر والكهرب، يضعُ فروتَهُ على كتفيه، ويتمشى بتؤدة تجاه المغسلة السمائيّة، في بيته في البلديات. لكن عليّاً لا يستيقظ إلاّ بإلحاح من أمّ الحسن، فيغسلُ وجهَهُ في حمّام الطابق الثاني، في حيّ الحسين، السماوة.
يرتدي عبّاس خاتمين كبيرين، ويرتديّ عليّ خاتماً صغيراً، يسبّحُ عبّاس بمسبحته اليُسر الـ ١٠١، ويسبّح علي بمسبحة صغيرة جداً، أثيرةٍ على نفسه، لأنه زوّرها بنفسه كلّ مرقد إمام زاره، في العراق، وسوريا، وإيران.
يصلّي عباس وهو يضغطُ على كلّ كلمةٍ في صلاتِهِ ببطء كما يضغطُ حبيبٌ على شفتيْ حبيبته "يا لطيفُ ارحمْ عبدَكَ الضعيف، يا وليَّ العافية أسألُكَ العافية، عافية الدينِ والدنيا والآخرة"، ويصلّي علي بإيقاعٍ أسرع بقليل، كانت صلاتُهُ الصِلةَ، لِما كان يفعله بعدها، يتردّدُ صوتُ عبّاس في غرفة الجلوس، تُحيطُهُ روائحُ بخور فاطمة، والأذان المنسكب من التلفاز، فيما يتعبُ عبد الحسين لفرط مُناداة عليّ، أن انزلْ لتأكل، لينزلَ أخيراً..
يفتحُ عبّاسُ مصحفه، بعد أن يكتفي بإفطارٍ قليل، فكيفَ يُمكن لرجل مرض السكّري وعميده في العائلة أن يأكل؟ مع تأنيب ولده مصطفى؟ ويكادُ عليّ أن لا يأكل شيئاً، وذهنُهُ منصرفٌ إلى ما سيفعله.
يفتحُ عبّاسُ المصحف، ليقرأ ما تيسّر من كلام ربّه، يفتحُ عليّ الكلوب هاوس ليناقش، أو يتحدّث عن محمّد وما انسربَ منه أئمةً وأسباطاً وكلاماً، أو يُجري مسابقاتٍ دينيّة أو المعلومات العامّة، أو يناقشَ مَن يختلف عنهم.
ناقشَ عليّ مرّة مجموعة ملحدين، كانوا يحترمونه لأنه كان ذا نقاش علميّ، غير منفعل، مرّة تحدثَ في نهارِ رمضان مُناقشاً نحو ٧ ساعات، حتى تحشرجَ صوتُهُ عطشاً، فقال له أحدهم: أستاذ علي، انت تعبت، افطرْ ونكمّل نقاشنا. لكنه آلى على نفسه إكمال النقاش، وصولاً إلى وقت السحور، وقبل الإمساك بقليل، بعد أن انشغل عن سحوره بالدفاع عن دينه بألطف ما يُمكن، وأثقف، قالت له أم الحسن: اشربْ كوبَ ماء بالأقل، فمضى بنقاشه ونسيَ أن يشرب الماء، حتى صاحَ المؤذنُ مُعلناً انتهاء وقت الإفطار المسموح.
يعلكُ عبّاس بحروف القرآن، يتمتمُ، ويمضي كفّه الأيمن الكبير، قاطع سدرة البيت، وخالع بابه مرّةً، بالتسبيح، بينما يضعُ عليّ يده على رأسه مفكراً، وهو مُحاط بأكبر مكتبة شيعية شخصية تجمّعت ببيت رجل مهندس، غير معمّم.
كانا يُضيئان طرفيْ الأرض: من السماوة إلى بغداد، من حيّ الحسين إلى البلديات، ومن البلديات إلى حيّ الحسين، من غرفة الجلوس إلى غرفة الطابق الثاني، ثمّة خيطُ ضوءٍ يمتدّ بين الرجلين، وهما يجعلانني أرى ألطف نسخة من الله في حياتي، ما تُشبه إلاّ الرَّوْح والريحان، من ١٩٨٩، حتى ٢٠٢٣.
خيطُ الضوء هذا، قصرَ بينهما، بين الفتحة السادسة والقديمة، بين القبر على الشارع وبين السرداب البارد، خيطُ الضوء بين الشاهدتين صار خيط دمع، وافتقاد، وأن أكتشفَ أخيراً أن رمضان لن يعود رمضان أبداً، وأنه مجرّد شهرُ عطش، مؤسفٍ، دون وجهيهما.
يالهذه الفجوة التي لا يردمُها شيء، يالوحشة الدنيا دونكما، شهركما الأثيرُ يتيمٌ، وحافٍ، وكالح، وبلا روح دون عبّاس وعليّ.
الفاتحة على روح جدّي سيّد عباس هادي الحسينيّ، وشقيق روحي وأغلبي علي عبد الحسين الخزاعي.

20 last posts shown.